عاصفة الصحراء
02-05-2012, 10:05 PM
http://i29.fastpic.ru/big/2012/0114/eb/6f7b3ef2b6da26079d0a8df86dfb90eb.jpg
إن سألت أى طفل عن فائدة الأنف سيقول لك أنها تساعدنا على التنفس وشم الروائح، وإن سألته عن فائدة العين سيقول لك أننا نرى بها النافع والضار من الأشياء، أما اليد فسيخبرك أننا نمسك الأدوات بها، والقدم لا تستطيع المشى أو الجرى بدونها. لكن إن سألت ذات الطفل أو سألت أبيه بل وحتى جده عن فائدة بعض الطباع النفسية كالغيرة والعفة وحب الأبناء فلن يعرفوا ما يقولون، فهم لم يفكروا يوماً فى الحكمة من وجودها، أو ربما يعتقدون بأنها "خلقة ربنا وخلاص". لكن الحقيقة أن للمشاعر لدى الإنسان فائدة وضرورة مثلها مثل أعضاء جسده تماماً، وسنرى كيف أن لكل صفة ضرورة تساعده على البقاء والتكاثر، وكيف أن نقص أى صفة منها شديد الخطورة عليه أو على نسله. وفى النهاية تحدث عملية "غربلة" يُستبعد خلالها من تنقصهم تلك الصفات من الجيل التالى فى أى مجتمع لعجزهم عن الحياة أو الإنجاب بكفاءة. فتعالوا اليوم نكتشف الهدف من وجود بعض الطباع النفسية والمجتمعية ونعرف كيف ساعدت من يقتنيها على البقاء ولماذا قَل نسل -أو إنقرض- من لا يمتلكها.
-الرغبة فى الجنس لدى الرجل والإرتباط لدى المرأة: نبدأ بهاتان الرغبتان والذى أعتقد أن جميع القرّاء يعرفون فائدتهما.. فإن فرضنا وجود رجل لا يرغب فى الجنس أو وجود امرأة لا ترغب فى أن "تفرح زى كل البنات" فلن يكون لهما نسل، وبالتالى سيتم إستبعادهما من المجتمع بعد جيل واحد ليتبقى من يمتلك تلك الرغبات فقط ويورثها بدوره الى أبنائه. والدليل على إرتباط تلك الغريزة المباشر بالإنجاب هو أن الأغلبية الكاسحة من الرجال لا ينجذبون جنسياً سوى للأنثى القابلة للحمل (فى سن التبويض)، فلو أنك سألت صديقاً لك عن رأيه فى إمرأة تبلغ من العمر 60 عاماً أو فتاة تبلغ من العمر 10 أعوام لنظر إليك نظرة شك وريبة، وإن سألته عن رأيه فى رجل فأغلب الظن أنك لن ترى وجهه ثانية. لكن إن سألنا عقله الباطن لماذا لا ينجذب جنسياً لهؤلاء الثلاثة مثل إنجذابه للمرأة متوسطة العمر فلن تكون إجابته عن الأولى "لأنها كبيرة" والثانية "لأنها صغيرة" والثالث "لأنه رجل"، بل ستكون ببساطة "لأنى لا أستطيع التكاثر معهم"، وهكذا نجد أن الفائدة الوحيدة للغريزة الجنسية هى التكاثر. بل ونجد تفاوتاً فى المرغوبية حتى بين النساء اللائى فى مرحلة الخصوبة ينحاز لصالح الأنثى الأصغر سناً لقلة إحتمال التشوهات فى بويضاتها، فبنت 15 عاماً أكثر جاذبية من بنت 25 من وجهة نظر الرجال، وبنت 25 أكثر جاذبية من ذات الـ40 وهكذا. وعندما يُطلق الناس كلمة "عانس" على إمرأة فالمعنى الحقيقى فى عقلهم الباطن والذى لا ينتبهون له هو "بويضات فاسدة يجب الإبتعاد عنها". وبالنسبة للمرأة فنجدها تنجذب للرجل ذو المال والجاه لأنه الأصلح للإهتمام بأطفالها ورعايتهم. المدهش هنا أنه لا الرجال ولا النساء ينتبهون لكل ذلك أثناء إختيار شريك الحياة أو حتى أثناء التعليقات اليومية على الآخرين بين الأصدقاء، بل هى رغبات وغرائز مبرمجة بداخلنا ونتجه إليها بتلقائية تامة.
-حب الأبناء: أظن أن كثيراً من القراء قد خمن فائدة ذلك الطبع بسهولة أيضاً.. فإن فرضنا وجود أب وأم لا يحبان أبناءهما ولا يهتمان بأمرهم فمن الطبيعى أن يهلك الأبناء سواءاً فى المجتمعات القديمة بأن يلتهمهم أسد أو ذئب مثلاً أو فى المجتمعات الحديثة بأن ينشأوا فاشلين ضائعين قد ينتهى بهم الحال إلى السجن أو التشرد والتسول. وهكذا فالفئة الوحيدة التى يمكنها البقاء فى عالم الإنسان والحيوان على السواء هى الفئة التى تهتم بأبنائها وترعاهم، ويأتى هذا الإهتمام فى شكل غريزة نطلق عليها "الحب"، لكنها فى الحقيقة مجرد أداة تساعد المخلوق على التكاثر ونشر جيناته الوراثية. اللافت هنا أننا نجد الأم أكثر حباً لأبنائها من الأب سواءاً لدى البشر أو معظم الحيوانات، ولهذا أيضاً حكمة.. فالأب يستطيع أن يرتبط بعدد غير محدود من النساء وينجب الكثير من الأطفال (قد يصل العدد إلى العشرات فى بعض الأحوال) بينما لا تستطيع الأم أن تلد سوى عدداً محدوداً من الأطفال بسبب ضرورة الحمل والرضاعة المرهقَين جسدياً ونفسياً. ومن منظور تاريخى نجد أن البشر الذين يعيشون اليوم جاءوا من ضعف عدد النساء مقارنةً بالرجال، أى أنه لو كان متوسط أبناء الأم 6 أطفال مثلاً فسيكون متوسط أبناء الأب 12 لأن نصف الذكور لم تتح لهم فرصة التكاثر أصلاً بل ماتوا قبلها فى الحروب أو غيرها من الصراعات. وبالتالى فلن يخسر الأب المتزوج بإمرأتين أو ثلاثة كثيراً إن هلك أحد أبناءه بينما تُعتبر هذه كارثة بالنسبة للأم من الناحية التناسلية. ويتضح هذا جلياً عند ملاحظة مدى إرتباط الحب والإهتمام بعدد الأطفال.. فلو لم يُرزق رجل أو إمرأة سوى بطفل واحد فستجدهما شديدا الإهتمام والمحافظة عليه بعكس ما لو كان لديهم خمسة أطفال مثلاً، فوقتها لن يعنى موت أحدهم إنقطاع نسلهما. طبعاً لن تجد أبوان يفكران بتلك الطريقة الحسابية الباردة أبداً، لكنها مع ذلك تبقى السبب الحقيقى الكامن وراء تلك العلاقة العكسية بين عدد الأطفال ومدى رعايتهم.
-الرغبة فى الأحفاد وحبهم: هذه الصفة لها نفس أهداف الرغبة فى إنجاب الأبناء ورعايتهم بالضبط.. فالمثل القائل "أعز من الولد، ولد الولد" صحيح تماماً من الناحية البيولوجية. ذلك لأن "الولد" الأول قد أدى دوره من وجهة نظر الجد بأن ينجب له أحفاد يحملون جيناته الوراثية للجيل التالى، وما يتبقى الآن لضمان إستمرار السلالة هو رعاية هؤلاء الأحفاد حتى يكبروا. ومن المواقف المثيرة هى تلك التى تجد فيها تناقضاً بين رغبة الإنسان فى البقاء وبين رغبته فى بقاء نسله، كحالة أب له أو أم لها إبنة واحدة مثلاً.. ففى تلك الحالة يتصارع شعور الأب أو الأم الكبيرين بين رغبة الإبنة فى البقاء معهما لرعايتهما وبين تشجيعها على الزواج كى لا تندثر جينات الأسرة الوراثية. طبعاً ما يشعر به الأب أو الأم فى تلك الحالة فى عقلهما الواعى هو رغبة متصارعة بين "إفتقاد البنت" وبين "مستقبل البنت"، لكن الحقيقة هى أن الصراع يكون بين "إفتقاد من يرعانى" و"إحتمال أن تندثر ذريتى"، ولذا فإن ما قد يُعتقد أنه تضحية من جانبهما لتشجيع الفتاة على تركهما لترتبط هو فى الحقيقة ليست كذلك.
-الغيرة عند الرجل والمرأة: الغيرة عند الرجل سببها واضح وهو حفظ النسل.. فالرجل الذى لا يغار يصبح فريسة سهلة للخيانة الزوجية وسيقل إحتمال تربيته لأبناءه الحقيقيين (نحن لا نتحدث عن عصر تحليل الحمض النووى بالطبع فتلك الصفات ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ)، وبالتالى فعدم الغيرة يعنى المخاطرة بإضاعة الكثير من الوقت والجهد لتنشئة أبناء رجل آخر وعدم نقل الجينات إلى الجيل التالى. أما غيرة المرأة فهى وإن كانت أقل من غيرة الرجل إلا أن لها سبباً قوياً كذلك، فإرتباط الزوج بإمرأة أخرى يعنى أن موارده المادية والعاطفية صارت الآن موزعة بين أبنائها وأبناء المرأة الجديدة مما يُضعف من فرص أبناءها للنجاح نسبياً.
-تقوية الأبناء الذكور: سببه هو نفس سبب حب النسل، فعندما يهتم الأب والأم بأن ينشأ إبنهما قوياً صلباً معتمداً على نفسه وقادراً على كسب رزقه وتدبير أموره فهما فى الحقيقة يمهدان لإنتقال جيناتهم الوراثية إلى الجيل التالى، لأن الولد إن نشأ ضعيفاً خائباً فلن يستطيع الزواج وهذا يهدد بإنقطاع سلالتهما. ونلاحظ بأن تقوية البنات فى التربية غير واردة تقريباً لأن الفتاة لا تحتاج للقوة والصلابة كى تتزوج وتلد بل بالعكس.. إذ تُعتبر الفتاة القوية منفرة للرجل وتقل فرصتها فى الزواج بشخص مناسب. لكن الأب والأم يهتمان بتقوية صفة أخرى هامة جداً لدى الفتاة وهى..
-عفة المرأة: أعتقد أن هذه النقطة ستحير القارىء.. فلم يفكر كثيراً من الناس فى الحكمة من وجود شىء أساسى ومسلَّم به كعفة المرأة وحفاظها على نفسها، أو ربما يعتقدون أن الدين هو الذى جاء بالعفة وأنها لم تكن موجودة من قبل. لكن الهدف من تلك الصفة أيضاً هو دعم النسل.. فإن تخيلنا إمرأة منحلة تسمح بوجود علاقات بلا ضوابط بينها وبين رجال غرباء فسيؤدى هذا بالضرورة إلى حملها سفاحاً (ونُذكر مرة أخرى بأننا لا نتحدث عن العصر الحديث الذى إختُرعت به وسائل منع الحمل، فتلك الطباع نشأت فى العصور البدائية).. وإن حملت المرأة سفاحاً فهذا يعنى أن الطفل لن يجد من يربيه ويهتم بأمره مادياً فينشأ هزيلاً مقارنةً بالطفل الذى تربى بين أب وأم. وهكذا فبينما تظن المرأة التى تحافظ على نفسها أنها تفعل ذلك بهدف الإحترام أو حفاظاً على الدين والأخلاق فهى فى الحقيقة تهدف لأن ينشأ أبناءها فى كنف رجل قوى وغنى يهتم بهم كى تنتقل جيناتها للجيل التالى ولا تتعرض للإنقراض بدلاً من أن تتورط وحدها مع أبناء لا تعرف مَن أباهم أو يكون أباهم فقيراً أو لا يعترف بهم. كما أنها بتحشمها وحفاظها على نفسها ترسل رسالة إلى الرجال مفادها "أنا أهل للثقة ولن أخونكم إن تزوجتمونى". لكن الإحتشام له أضراره أيضاً، فإن إحتجبت المرأة عن الرجال تماماً فلن تستطيع فتنة عريس لـ"إصطياده"، ولهذا نجد أن معظم النساء تسلك طريقاً وسطاً بين الإحتشام الكامل والإنفتاح الكامل مراعاةً لهذا التوازن. وليست مصادفة أن تكون النساء أكثر حياءاً فى السن الصغيرة ثم ينفتحن على الرجال بالتدريج كلما كبر سنهن إن لم يتزوجن.. إذ أن المراهِقة لا تحتاج لفعل الكثير لفتنة عريس المستقبل بل بالعكس تحتاج لكثير من الخجل لتحمى نفسها من كثرة المعجبين، بينما تجد تلك التى شارفت على سن اليأس نفسها فى مرحلة العد التنازلى فتبدأ بـ"نزع برقع الحياء" لأنها تلعب فى الوقت الضائع. ومرة أخرى يحدث كل ذلك على مستوى العقل الباطن تماماً دون انتباه الفتاة على الإطلاق.. فهى تجد نفسها خجلة فى مرحلة عمرية معينة ثم تجد نفسها لا تمانع صحبة الرجال فى مرحلة عمرية أخرى من تلقاء نفسها تماماً دون تخطيط مسبق ولا إدعاء ولا تمثيل.
-إنحلال الرجل: من الملاحظات التى حيرتنى لفترة طويلة هى غيرة الأهل على إبنتهم وليس على إبنهم. فلم نسمع يوماً عن أب قتل إبنه لأنه إكتشف علاقته الآثمة ببنت الجيران مثلاً، أو عن أم تبرأت من إبنها عندما علمت بأن له إبناً من حرام! بل يكاد يكون العكس هو السائد، فالولد يتفاخر بين أهله وأصدقائه بنجاحه فى "إصطياد" فتاة جميلة فى المدرسة أو الجامعة أو العمل أو الإنترنت بينما تكون الفتاة شديدة الخوف من إكتشاف أحد لهذه العلاقة. وعلى عكس ما يعتقد بعض البسطاء بأن السبب فى ذلك يرجع لإضطهاد المجتمع للمرأة فالسبب بيولوجى جداً ومنطقى جداً.. فكما شرحنا فى النقطة السابقة عن أهمية العفة لدى المرأة نجد أن لعكس العفة أو للـ"إنحلال" أهمية لدى الرجل، إذ أنه يساعده على نشر جيناته بأكبر قدر ممكن بلا تضحيات. فلأن الرجل لا يحمل ولا يُرضع فكل ما عليه القيام به لضمان إستمرار سلالته هو ممارسة الجنس لأكثر عدد من المرات إبان حياته. ورغم أن المجتمع والأهل لا يفكرون بهذه الطريقة المادية بالطبع إلا أنه يتضح فى السلوك العام لكل المجتمعات الشرقية منها والغربية، حيث يُعتبر الرجل "الصياد" الذى يفتن النساء ناجحاً بعكس المرأة "الخليعة" التى تسلم نفسها للرجال. وهنا نجد أن التقاليد والأديان قد قامت بما يمكن تسميته "عقداً إجتماعياً"، حيث حَرّمت على الرجال الزنا ببنات الآخرين مقابل تحريم زنا الآخرين ببناتهم، ولذا فكان من الطبيعى أن نجد أكثر الرجال نفوراً من فكرة الزنى وعواقبه هو من له إبنة أو عدة بنات حتى وإن كان من أشرس "الصيادين" إبان شبابه!
-الحب والغزل: هدفهما خلق رباط قوى بين رجل وامرأة حتى يتمكنا من المكوث سوياً وتربية أطفالهما معاً، والدليل أنهما غير موجودين سوى فى المخلوقات التى يتعاون فيها الأب والأم فى تربية الأبناء كالطيور والبشر، أما المخلوقات التى تربى فيها الأمُ الأطفالَ وحدها كالقطط فلا يوجد عندها هذا النوع من الشاعرية.
-الملل الزوجى: قد لا تصدق أن للملل الزوجى وظيفة حيوية لكنه مهم لتنويع الجينات. فمن وجهة نظر جينية وراثية بحتة يكون فى صالح الأب والأم إنجاب أطفال من أكبر عدد من الشركاء من أجل ضمان بقاء السلالة لاحتمال وجود مرض وراثى خطير لدى الزوج أو الزوجة يهدد حياة الأبناء منهما، وهذا يذكرنا بالمثل القائل "لا تضع كل البيض فى سلة واحدة". وهكذا فكان من الطبيعى أن يبدأ الأزواج بالملل من بعضهم بعد فترة من الزواج خاصة بعد وصول الأطفال لمرحلة المراهقة واكتمال قدرتهم للإعتماد على النفس، ونلاحظ بالفعل أن عدداً كبيراً من حالات الطلاق يقع فى تلك المرحلة.. لكنك الآن تعرف أن السبب ليس "المشاكل الزوجية" بل هو "التنويع الوراثى"!
-بر الأهل: على عكس الإعتقاد السائد بأن بر الوالدين هو طبع دينى أو أخلاقى بحت نجد أن له فائدة بيولوجية هو الآخر، حيث يرسل الإبن البار والبنت البارة رسالتين مهمتين إلى الآخرين: أولهما إلى شريك الحياة المنتظَر.. فالرجل الذى يرى فتاة بارة بأمها وأبيها يكون أكثر إطمئناناً على نفسه معها، وبالتالى فهى طريقة للفتاة متوسطة الجمال مثلاً أن تجذب إليها "عريس لقطة" ذو مال وجاه (وليست مصادفة أن تجد البنات شديدات الجمال أقل براً لأهاليهن بصفة عامة من قليلات الجمال، فالجميلات لا يحتجن لللجوء لهذا الأسلوب لإجتذاب العرسان). وبر الأهل يقوم للذكر بنفس المقام، فربما إستطاع الرجل عن طريق بر أهله أن يحوز على إعجاب فتاة شديدة الجمال إن كان هو متوسط الثراء والحسب والنسب، لأنها سترى فى إلتزامه برعايتهما إلتزاماً برعايتها ورعاية أطفالها منه (ومرة أخرى نجد الشباب الأفقر هم الأكثر براً لأهاليهم بصفة عامة). الرسالة الثانية من بر الوالدين تُرسَل للأبناء، حيث يهتم الأب والأم بجعل أبناءهما يلاحظون مدى إهتمامهم بالجد والجدة عند الكبر كى ينطبع فى ذاكرة الأطفال أن الوضع الطبيعى هو الإهتمام بالأب والأم وليس إهمالهما عندما يكبرا بدورهما.. أى أن الموضوع ببساطة لا يغدو عن كونه تقديم السبت لتجد الأحد!
-الحنين للذكريات: وهو يشمل الحنين إلى الأشخاص والأماكن والأنشطة التى كان يمارسها الإنسان من قبل، وفائدته أنه يبعد الإنسان عن الخطر الكائن فى البيئات الجديدة الغير مُجربة. فمادمت تتذكر تجاربك مع ذلك الشخص أو فى ذلك المكان أو فى ذلك العمل فمعناه ضمنياً أن تلك الأشياء آمنة بالنسبة لك ولم تؤدى لمقتلك بل بالعكس ساعدتك على الحياة والدليل أنك وصلت إلى ما وصلت إليه الآن (فلن تجد أحداً يشعر بالحنين للعبه مع الثعابين مثلاً لأنه سيكون قد مات بالفعل!). وهذا الحنين لا يقتصر على الذكريات القديمة منذ سنين طويلة بل يشمل الأمد القصير أيضاً.. فأنت إن نمت أو أكلت فى مكان معين اليوم فستجد نفسك غداً تبحث تلقائياً عن نفس المكان بالضبط لتنام أو تأكل فيه. وإن جلست يوماً فى مقعد معين فى مدرج الجامعة مثلاً فستجد نفسك تفضله فى المحاضرة التالية دون أن تعرف السبب.. فكل هذا يعمل على مستوى العقل الباطن بصورة آلية دون أن نشعر.
-الإلتزام بالتقاليد: وهو مِثل الحنين إلى الذكريات تماماً، فالذى يلتزم بتقاليد الآباء والأجداد يرسل رسالة للآخرين مفادها أنه "قليل المخاطرة" ومحافظ على أسلوب الحياة الذى مَكّن أسلافه من البقاء والتناسل، وذلك بعكس المجددين والمطورين الذين يسلكون طرقاً جديدة غير مجربة وغير مأمونة العواقب.
-الطمع: الطمع فائدته تحسين حياة المرء، فلو لو يوجد الطمع لما حاول أى شخص الإرتقاء بمستوى معيشته. ولهذا الإرتقاء مزايا بيولوجية بالطبع.. إذ أنه فى الحدود المعقولة يزيد من موارد صاحبه مما يزيد من عمره ويحافظ على صحته ويجعله أكثر مرغوبية وبالتالى يمنحه مزيداً من الفرص للتكاثر.
-الجُبن: الجبن أو الخوف هو عكس الطمع، وهدفه هو إبعاد الإنسان عن المواقف التى قد يكون فيها هلاكه أو تضحيته بمال وجهد لا طائل من ورائه والحفاظ عليه فى المساحة الآمنة التى تكلمنا عنها فى نقطتى الحنين إلى الذكريات والإلتزام بالتقاليد. ويلعب الطبعان -الطمع والخوف- معاً لخلق توازن يعظم مكاسب الإنسان ويقلل من خسائره.
-الصداقة والألفة: لهما فائدة واحدة.. وهى المنافع المتبادلة بين الأصدقاء! ولذا فكان من الطبيعى أن تجد الناس تتجنب طلب خدمات إضافية من أصدقائها إن كانوا قد طلبوا منهم عدة مرات من قَبل ولم تتح لهم الفرصة لرد الجميل مثلاً.. وكأنهم يعرفون ضمناً أن "الصداقة" لا تغدو عن كونها علاقة تجارية مغلفة بالود. كما تجدهم ينجذبون بل ويتهافتون على صداقة ذوى المال والنفوذ بينما يتجنبون صداقة الفقراء والضعفاء بصفة عامة. ومرة أخرى نؤكد أن هذا عادةً ما يحدث لا شعورياً.. فليس بالضرورة أن يفكر المرء قائلاً لنفسه "سأصادق فلان لأنه غنى وأبتعد عن فلان لأنه فقير"، بل يجد نفسه ينجذب لحديث الغنى ذو الجاه دون أن يعرف السبب ويجد نفسه يتجاهل الفقير أو الضعيف دون أن يعرف السبب. وعدم الإنتباه لأسباب رغباتنا هو أكثر ما يذهلنى شخصياً فى موضوع الطباع والمشاعر عند تأمله.. وجرب أنت الآن أن تقيس هذا المثال على معارفك وستفاجأ.
-الكرم والرحمة: لهما نفس فائدة بر الأهل من حيث إعلان للآخرين تعاطفك مع المجتمع ومن ثَم إعلان أنك شريك حياة مناسب (ولهذا تجد مستوى الصدقة يقل جداً بعد الزواج!)، كما أن لهما نفس فائدة الصداقة من حيث أنهما "شبكة تأمين إجتماعية" حيث يساعد المقتدرون غير المقتدرين فى أوقات الشدة، فإن تصدقت على الفقراء اليوم فأنت جدير بعطف الناس غداً حين تتبدل الظروف.. ويمكن التفكير فيهما كـ"صندوق معاش" العصور القديمة قبل إختراع البنوك والتأمينات.
-البخل: فائدته هو المحافظة على ممتلكات الفرد وهو يشكل توازناً مع الكرم، حيث نلاحظ أن المرء كلما إزداد عدد أفراد أسرته وعائلته كلما صار بخيلاً على مَن سواهم لشعوره بالإستغناء عن المجتمع الخارجى والعكس صحيح. فالموضوع ليس أخلاقياً ولا دينياً بل هى المصالح المتبادلة والمنافع المشتركة.
-الرغبة فى الإنتقام والثأر: ترسل رسالة للمعتدِى وللآخرين مفادها أن أذية المعتدَى عليه مرة أخرى مستقبلاً سيكون له عواقب وخيمة. ومثلها الرغبة فى الأخذ بالثأر، فهى وسيلة لتأمين حياة الباقين من العائلة عن طريق إثبات أن دمها ليس رخيصاً.
-الضمير: هدفه تجنب الثأر ومشاكله من البداية، فصاحب الضمير لن يتعرض لإنتقام الآخرين لأنه لن يستفزهم أصلاً. وقد أثبت ذلك تجربة الدكتور مِلجرَم الشهيرة والتى نجح فيها فى جعل متطوعين يظنون أنهم يصعقون متطوعين آخرين بالكهرباء بقوة وصلت تدريجياً لدرجة قاتلة لمجرد أن المشرف على التجربة أكد لهم أنه ليس عليهم أى مسؤولية إن أُصيب الآخرين بمكروه، إذاً ففور إختفاء فكرة "المساءلة" سواء من الآخرين أو من ضمائرنا (بسبب وجود عذر مثل "أنا عبد المأمور ولا أستطيع مخالفة الأوامر" أو "إنها ليست غلطتى بل غلطة فلان") نتحول إلى وحوش بشرية منزوعة الرحمة. يلاحَظ أن الضمير قد يكون له بعض "الأعراض الجانبية" والتى تمتد للمخلوقات التى لن تثأر لنفسها مثل الحيوانات، إلا أنه تأثير محدود ولذا فتعاطف الناس يكون أكثر مع البشر.
-حب النظافة: هدفه المحافظة على الجسم من الأمراض الجلدية والطفيليات.
-بُغض الروائح الكريهة: يحمى الإنسان من التسمم، حيث أن أبغض الأطعمة رائحة إلى البشر هى أكثرها ضرراً عليهم كاللحم الفاسد وجثث الحيوانات المتعفنة. وينفر البشر نفوراً شديداً من رائحة الفضلات لأنها شديدة السمية بالنسبة لهم (وذلك بعكس الذباب مثلاً الذى يحب الروث لأنه مهم لدورة حياته!). ولحاسة التذوق نفس الهدف، إذ أن الناس لا تحب طعم الأغذية الفاسدة بعكس الطازجة التى تكون لذيذة لهم.
-الإشمئزاز من بعض الحشرات: مثل الذباب والصراصير لأنها عادةً ما تحمل أمراضاً ضارة وذلك بعكس الحشرات المفيدة كالنحل والفراشات التى تلقح النباتات فنعتبرها جميلة وتحف فنية.
اللافت هنا يا عزيزى القارىء هو أننا كما نرى عيباً جسدياً فيمن تنقصه عين أو يد أو قدم نرى عيباً نفسياً فى الرَجل الذى تنقصه الغيرة أو الإربة والمرأة التى تنقصها العفة والشخص الذى لا يستحم مثلاً.. أى أن هناك نموذجاً مثالياً للبشر على الصعيدين الجسدى والنفسى نقيس عليه الناس ونحكم على مدى كمالهم بقدر إقترابهم من ذلك النموذج، وليست مصادفة أن يكون ذلك النموذج هو الأنسب للبقاء والتكاثر! والمذهل هنا هو تطور أعراف البشر من عادات وتقاليد وأديان لتحاكى ذلك النموذج المثالى للطباع.. فالرجل الذى يقتل إبنته إن علم أنها حملت سفاحاً يظن أنه يفعل ذلك بدافع "الحفاظ على شرفه" رغم أنه فى الحقيقة يفعله بدافع "الحفاظ على نسله" كى يُرسل رسالة قوية لباقى أفراد أسرته بأن هذا تصرف غير مقبول وغير محتمل (ولذا فهناك علاقة قوية بين عدد الأبناء والإلتزام بقتل الشرف.. فالذى لم يُرزق سوى بإبنة واحدة لن يقتلها إن حملت سفاحاً لأن ذلك سيعنى نهاية نسله بعكس ما لو كان له أربعة بنات مثلاً). والرجل الذى يقتل زوجته إن رآها مع آخر يفعل ذلك لنفس السبب، فهو لم يفكر أبداً أن سبب قتله لها هو حماية نفسه من تربية طفل لا ينتسب له، بل إنه سيفعل ذلك فى كل الأحوال حتى إن كانت عاقراً لا تلد وحتى إن توافرت وسائل تحليل النسب كالحمض النووى لإن ذلك الطبع تم برمجته فى الإنسان وإنتهى الأمر. والرجل الذى يزجر إبنه ليكون قوياً ومعتمداً على نفسه لم يفكر البتة أنه يفعل ذلك كى يضمن بقاء نسله إلى الجيل التالى، فهو يجد شيئاً من داخله يدفعه دفعاً لزجر الولد ليكون قوياً دون أن يدرى ما السبب. وقِس على ذلك كل شىء مما تعارف عليه الناس من "الخير" أو "الشر".. أى أننا كمجتمعات إنسانية صغنا طرقاً للحفاظ على تلك الطباع الأساسية لبقاء النفس والنسل فى أشكال شتى حتى نسينا الهدف الأصلى من وجودها وصارت فى حد ذاتها صفات حسنة وإنتقاصها فى حد ذاته شىء غير مقبول ومنفر بصورة تلقائية تماماً.
إن سألت أى طفل عن فائدة الأنف سيقول لك أنها تساعدنا على التنفس وشم الروائح، وإن سألته عن فائدة العين سيقول لك أننا نرى بها النافع والضار من الأشياء، أما اليد فسيخبرك أننا نمسك الأدوات بها، والقدم لا تستطيع المشى أو الجرى بدونها. لكن إن سألت ذات الطفل أو سألت أبيه بل وحتى جده عن فائدة بعض الطباع النفسية كالغيرة والعفة وحب الأبناء فلن يعرفوا ما يقولون، فهم لم يفكروا يوماً فى الحكمة من وجودها، أو ربما يعتقدون بأنها "خلقة ربنا وخلاص". لكن الحقيقة أن للمشاعر لدى الإنسان فائدة وضرورة مثلها مثل أعضاء جسده تماماً، وسنرى كيف أن لكل صفة ضرورة تساعده على البقاء والتكاثر، وكيف أن نقص أى صفة منها شديد الخطورة عليه أو على نسله. وفى النهاية تحدث عملية "غربلة" يُستبعد خلالها من تنقصهم تلك الصفات من الجيل التالى فى أى مجتمع لعجزهم عن الحياة أو الإنجاب بكفاءة. فتعالوا اليوم نكتشف الهدف من وجود بعض الطباع النفسية والمجتمعية ونعرف كيف ساعدت من يقتنيها على البقاء ولماذا قَل نسل -أو إنقرض- من لا يمتلكها.
-الرغبة فى الجنس لدى الرجل والإرتباط لدى المرأة: نبدأ بهاتان الرغبتان والذى أعتقد أن جميع القرّاء يعرفون فائدتهما.. فإن فرضنا وجود رجل لا يرغب فى الجنس أو وجود امرأة لا ترغب فى أن "تفرح زى كل البنات" فلن يكون لهما نسل، وبالتالى سيتم إستبعادهما من المجتمع بعد جيل واحد ليتبقى من يمتلك تلك الرغبات فقط ويورثها بدوره الى أبنائه. والدليل على إرتباط تلك الغريزة المباشر بالإنجاب هو أن الأغلبية الكاسحة من الرجال لا ينجذبون جنسياً سوى للأنثى القابلة للحمل (فى سن التبويض)، فلو أنك سألت صديقاً لك عن رأيه فى إمرأة تبلغ من العمر 60 عاماً أو فتاة تبلغ من العمر 10 أعوام لنظر إليك نظرة شك وريبة، وإن سألته عن رأيه فى رجل فأغلب الظن أنك لن ترى وجهه ثانية. لكن إن سألنا عقله الباطن لماذا لا ينجذب جنسياً لهؤلاء الثلاثة مثل إنجذابه للمرأة متوسطة العمر فلن تكون إجابته عن الأولى "لأنها كبيرة" والثانية "لأنها صغيرة" والثالث "لأنه رجل"، بل ستكون ببساطة "لأنى لا أستطيع التكاثر معهم"، وهكذا نجد أن الفائدة الوحيدة للغريزة الجنسية هى التكاثر. بل ونجد تفاوتاً فى المرغوبية حتى بين النساء اللائى فى مرحلة الخصوبة ينحاز لصالح الأنثى الأصغر سناً لقلة إحتمال التشوهات فى بويضاتها، فبنت 15 عاماً أكثر جاذبية من بنت 25 من وجهة نظر الرجال، وبنت 25 أكثر جاذبية من ذات الـ40 وهكذا. وعندما يُطلق الناس كلمة "عانس" على إمرأة فالمعنى الحقيقى فى عقلهم الباطن والذى لا ينتبهون له هو "بويضات فاسدة يجب الإبتعاد عنها". وبالنسبة للمرأة فنجدها تنجذب للرجل ذو المال والجاه لأنه الأصلح للإهتمام بأطفالها ورعايتهم. المدهش هنا أنه لا الرجال ولا النساء ينتبهون لكل ذلك أثناء إختيار شريك الحياة أو حتى أثناء التعليقات اليومية على الآخرين بين الأصدقاء، بل هى رغبات وغرائز مبرمجة بداخلنا ونتجه إليها بتلقائية تامة.
-حب الأبناء: أظن أن كثيراً من القراء قد خمن فائدة ذلك الطبع بسهولة أيضاً.. فإن فرضنا وجود أب وأم لا يحبان أبناءهما ولا يهتمان بأمرهم فمن الطبيعى أن يهلك الأبناء سواءاً فى المجتمعات القديمة بأن يلتهمهم أسد أو ذئب مثلاً أو فى المجتمعات الحديثة بأن ينشأوا فاشلين ضائعين قد ينتهى بهم الحال إلى السجن أو التشرد والتسول. وهكذا فالفئة الوحيدة التى يمكنها البقاء فى عالم الإنسان والحيوان على السواء هى الفئة التى تهتم بأبنائها وترعاهم، ويأتى هذا الإهتمام فى شكل غريزة نطلق عليها "الحب"، لكنها فى الحقيقة مجرد أداة تساعد المخلوق على التكاثر ونشر جيناته الوراثية. اللافت هنا أننا نجد الأم أكثر حباً لأبنائها من الأب سواءاً لدى البشر أو معظم الحيوانات، ولهذا أيضاً حكمة.. فالأب يستطيع أن يرتبط بعدد غير محدود من النساء وينجب الكثير من الأطفال (قد يصل العدد إلى العشرات فى بعض الأحوال) بينما لا تستطيع الأم أن تلد سوى عدداً محدوداً من الأطفال بسبب ضرورة الحمل والرضاعة المرهقَين جسدياً ونفسياً. ومن منظور تاريخى نجد أن البشر الذين يعيشون اليوم جاءوا من ضعف عدد النساء مقارنةً بالرجال، أى أنه لو كان متوسط أبناء الأم 6 أطفال مثلاً فسيكون متوسط أبناء الأب 12 لأن نصف الذكور لم تتح لهم فرصة التكاثر أصلاً بل ماتوا قبلها فى الحروب أو غيرها من الصراعات. وبالتالى فلن يخسر الأب المتزوج بإمرأتين أو ثلاثة كثيراً إن هلك أحد أبناءه بينما تُعتبر هذه كارثة بالنسبة للأم من الناحية التناسلية. ويتضح هذا جلياً عند ملاحظة مدى إرتباط الحب والإهتمام بعدد الأطفال.. فلو لم يُرزق رجل أو إمرأة سوى بطفل واحد فستجدهما شديدا الإهتمام والمحافظة عليه بعكس ما لو كان لديهم خمسة أطفال مثلاً، فوقتها لن يعنى موت أحدهم إنقطاع نسلهما. طبعاً لن تجد أبوان يفكران بتلك الطريقة الحسابية الباردة أبداً، لكنها مع ذلك تبقى السبب الحقيقى الكامن وراء تلك العلاقة العكسية بين عدد الأطفال ومدى رعايتهم.
-الرغبة فى الأحفاد وحبهم: هذه الصفة لها نفس أهداف الرغبة فى إنجاب الأبناء ورعايتهم بالضبط.. فالمثل القائل "أعز من الولد، ولد الولد" صحيح تماماً من الناحية البيولوجية. ذلك لأن "الولد" الأول قد أدى دوره من وجهة نظر الجد بأن ينجب له أحفاد يحملون جيناته الوراثية للجيل التالى، وما يتبقى الآن لضمان إستمرار السلالة هو رعاية هؤلاء الأحفاد حتى يكبروا. ومن المواقف المثيرة هى تلك التى تجد فيها تناقضاً بين رغبة الإنسان فى البقاء وبين رغبته فى بقاء نسله، كحالة أب له أو أم لها إبنة واحدة مثلاً.. ففى تلك الحالة يتصارع شعور الأب أو الأم الكبيرين بين رغبة الإبنة فى البقاء معهما لرعايتهما وبين تشجيعها على الزواج كى لا تندثر جينات الأسرة الوراثية. طبعاً ما يشعر به الأب أو الأم فى تلك الحالة فى عقلهما الواعى هو رغبة متصارعة بين "إفتقاد البنت" وبين "مستقبل البنت"، لكن الحقيقة هى أن الصراع يكون بين "إفتقاد من يرعانى" و"إحتمال أن تندثر ذريتى"، ولذا فإن ما قد يُعتقد أنه تضحية من جانبهما لتشجيع الفتاة على تركهما لترتبط هو فى الحقيقة ليست كذلك.
-الغيرة عند الرجل والمرأة: الغيرة عند الرجل سببها واضح وهو حفظ النسل.. فالرجل الذى لا يغار يصبح فريسة سهلة للخيانة الزوجية وسيقل إحتمال تربيته لأبناءه الحقيقيين (نحن لا نتحدث عن عصر تحليل الحمض النووى بالطبع فتلك الصفات ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ)، وبالتالى فعدم الغيرة يعنى المخاطرة بإضاعة الكثير من الوقت والجهد لتنشئة أبناء رجل آخر وعدم نقل الجينات إلى الجيل التالى. أما غيرة المرأة فهى وإن كانت أقل من غيرة الرجل إلا أن لها سبباً قوياً كذلك، فإرتباط الزوج بإمرأة أخرى يعنى أن موارده المادية والعاطفية صارت الآن موزعة بين أبنائها وأبناء المرأة الجديدة مما يُضعف من فرص أبناءها للنجاح نسبياً.
-تقوية الأبناء الذكور: سببه هو نفس سبب حب النسل، فعندما يهتم الأب والأم بأن ينشأ إبنهما قوياً صلباً معتمداً على نفسه وقادراً على كسب رزقه وتدبير أموره فهما فى الحقيقة يمهدان لإنتقال جيناتهم الوراثية إلى الجيل التالى، لأن الولد إن نشأ ضعيفاً خائباً فلن يستطيع الزواج وهذا يهدد بإنقطاع سلالتهما. ونلاحظ بأن تقوية البنات فى التربية غير واردة تقريباً لأن الفتاة لا تحتاج للقوة والصلابة كى تتزوج وتلد بل بالعكس.. إذ تُعتبر الفتاة القوية منفرة للرجل وتقل فرصتها فى الزواج بشخص مناسب. لكن الأب والأم يهتمان بتقوية صفة أخرى هامة جداً لدى الفتاة وهى..
-عفة المرأة: أعتقد أن هذه النقطة ستحير القارىء.. فلم يفكر كثيراً من الناس فى الحكمة من وجود شىء أساسى ومسلَّم به كعفة المرأة وحفاظها على نفسها، أو ربما يعتقدون أن الدين هو الذى جاء بالعفة وأنها لم تكن موجودة من قبل. لكن الهدف من تلك الصفة أيضاً هو دعم النسل.. فإن تخيلنا إمرأة منحلة تسمح بوجود علاقات بلا ضوابط بينها وبين رجال غرباء فسيؤدى هذا بالضرورة إلى حملها سفاحاً (ونُذكر مرة أخرى بأننا لا نتحدث عن العصر الحديث الذى إختُرعت به وسائل منع الحمل، فتلك الطباع نشأت فى العصور البدائية).. وإن حملت المرأة سفاحاً فهذا يعنى أن الطفل لن يجد من يربيه ويهتم بأمره مادياً فينشأ هزيلاً مقارنةً بالطفل الذى تربى بين أب وأم. وهكذا فبينما تظن المرأة التى تحافظ على نفسها أنها تفعل ذلك بهدف الإحترام أو حفاظاً على الدين والأخلاق فهى فى الحقيقة تهدف لأن ينشأ أبناءها فى كنف رجل قوى وغنى يهتم بهم كى تنتقل جيناتها للجيل التالى ولا تتعرض للإنقراض بدلاً من أن تتورط وحدها مع أبناء لا تعرف مَن أباهم أو يكون أباهم فقيراً أو لا يعترف بهم. كما أنها بتحشمها وحفاظها على نفسها ترسل رسالة إلى الرجال مفادها "أنا أهل للثقة ولن أخونكم إن تزوجتمونى". لكن الإحتشام له أضراره أيضاً، فإن إحتجبت المرأة عن الرجال تماماً فلن تستطيع فتنة عريس لـ"إصطياده"، ولهذا نجد أن معظم النساء تسلك طريقاً وسطاً بين الإحتشام الكامل والإنفتاح الكامل مراعاةً لهذا التوازن. وليست مصادفة أن تكون النساء أكثر حياءاً فى السن الصغيرة ثم ينفتحن على الرجال بالتدريج كلما كبر سنهن إن لم يتزوجن.. إذ أن المراهِقة لا تحتاج لفعل الكثير لفتنة عريس المستقبل بل بالعكس تحتاج لكثير من الخجل لتحمى نفسها من كثرة المعجبين، بينما تجد تلك التى شارفت على سن اليأس نفسها فى مرحلة العد التنازلى فتبدأ بـ"نزع برقع الحياء" لأنها تلعب فى الوقت الضائع. ومرة أخرى يحدث كل ذلك على مستوى العقل الباطن تماماً دون انتباه الفتاة على الإطلاق.. فهى تجد نفسها خجلة فى مرحلة عمرية معينة ثم تجد نفسها لا تمانع صحبة الرجال فى مرحلة عمرية أخرى من تلقاء نفسها تماماً دون تخطيط مسبق ولا إدعاء ولا تمثيل.
-إنحلال الرجل: من الملاحظات التى حيرتنى لفترة طويلة هى غيرة الأهل على إبنتهم وليس على إبنهم. فلم نسمع يوماً عن أب قتل إبنه لأنه إكتشف علاقته الآثمة ببنت الجيران مثلاً، أو عن أم تبرأت من إبنها عندما علمت بأن له إبناً من حرام! بل يكاد يكون العكس هو السائد، فالولد يتفاخر بين أهله وأصدقائه بنجاحه فى "إصطياد" فتاة جميلة فى المدرسة أو الجامعة أو العمل أو الإنترنت بينما تكون الفتاة شديدة الخوف من إكتشاف أحد لهذه العلاقة. وعلى عكس ما يعتقد بعض البسطاء بأن السبب فى ذلك يرجع لإضطهاد المجتمع للمرأة فالسبب بيولوجى جداً ومنطقى جداً.. فكما شرحنا فى النقطة السابقة عن أهمية العفة لدى المرأة نجد أن لعكس العفة أو للـ"إنحلال" أهمية لدى الرجل، إذ أنه يساعده على نشر جيناته بأكبر قدر ممكن بلا تضحيات. فلأن الرجل لا يحمل ولا يُرضع فكل ما عليه القيام به لضمان إستمرار سلالته هو ممارسة الجنس لأكثر عدد من المرات إبان حياته. ورغم أن المجتمع والأهل لا يفكرون بهذه الطريقة المادية بالطبع إلا أنه يتضح فى السلوك العام لكل المجتمعات الشرقية منها والغربية، حيث يُعتبر الرجل "الصياد" الذى يفتن النساء ناجحاً بعكس المرأة "الخليعة" التى تسلم نفسها للرجال. وهنا نجد أن التقاليد والأديان قد قامت بما يمكن تسميته "عقداً إجتماعياً"، حيث حَرّمت على الرجال الزنا ببنات الآخرين مقابل تحريم زنا الآخرين ببناتهم، ولذا فكان من الطبيعى أن نجد أكثر الرجال نفوراً من فكرة الزنى وعواقبه هو من له إبنة أو عدة بنات حتى وإن كان من أشرس "الصيادين" إبان شبابه!
-الحب والغزل: هدفهما خلق رباط قوى بين رجل وامرأة حتى يتمكنا من المكوث سوياً وتربية أطفالهما معاً، والدليل أنهما غير موجودين سوى فى المخلوقات التى يتعاون فيها الأب والأم فى تربية الأبناء كالطيور والبشر، أما المخلوقات التى تربى فيها الأمُ الأطفالَ وحدها كالقطط فلا يوجد عندها هذا النوع من الشاعرية.
-الملل الزوجى: قد لا تصدق أن للملل الزوجى وظيفة حيوية لكنه مهم لتنويع الجينات. فمن وجهة نظر جينية وراثية بحتة يكون فى صالح الأب والأم إنجاب أطفال من أكبر عدد من الشركاء من أجل ضمان بقاء السلالة لاحتمال وجود مرض وراثى خطير لدى الزوج أو الزوجة يهدد حياة الأبناء منهما، وهذا يذكرنا بالمثل القائل "لا تضع كل البيض فى سلة واحدة". وهكذا فكان من الطبيعى أن يبدأ الأزواج بالملل من بعضهم بعد فترة من الزواج خاصة بعد وصول الأطفال لمرحلة المراهقة واكتمال قدرتهم للإعتماد على النفس، ونلاحظ بالفعل أن عدداً كبيراً من حالات الطلاق يقع فى تلك المرحلة.. لكنك الآن تعرف أن السبب ليس "المشاكل الزوجية" بل هو "التنويع الوراثى"!
-بر الأهل: على عكس الإعتقاد السائد بأن بر الوالدين هو طبع دينى أو أخلاقى بحت نجد أن له فائدة بيولوجية هو الآخر، حيث يرسل الإبن البار والبنت البارة رسالتين مهمتين إلى الآخرين: أولهما إلى شريك الحياة المنتظَر.. فالرجل الذى يرى فتاة بارة بأمها وأبيها يكون أكثر إطمئناناً على نفسه معها، وبالتالى فهى طريقة للفتاة متوسطة الجمال مثلاً أن تجذب إليها "عريس لقطة" ذو مال وجاه (وليست مصادفة أن تجد البنات شديدات الجمال أقل براً لأهاليهن بصفة عامة من قليلات الجمال، فالجميلات لا يحتجن لللجوء لهذا الأسلوب لإجتذاب العرسان). وبر الأهل يقوم للذكر بنفس المقام، فربما إستطاع الرجل عن طريق بر أهله أن يحوز على إعجاب فتاة شديدة الجمال إن كان هو متوسط الثراء والحسب والنسب، لأنها سترى فى إلتزامه برعايتهما إلتزاماً برعايتها ورعاية أطفالها منه (ومرة أخرى نجد الشباب الأفقر هم الأكثر براً لأهاليهم بصفة عامة). الرسالة الثانية من بر الوالدين تُرسَل للأبناء، حيث يهتم الأب والأم بجعل أبناءهما يلاحظون مدى إهتمامهم بالجد والجدة عند الكبر كى ينطبع فى ذاكرة الأطفال أن الوضع الطبيعى هو الإهتمام بالأب والأم وليس إهمالهما عندما يكبرا بدورهما.. أى أن الموضوع ببساطة لا يغدو عن كونه تقديم السبت لتجد الأحد!
-الحنين للذكريات: وهو يشمل الحنين إلى الأشخاص والأماكن والأنشطة التى كان يمارسها الإنسان من قبل، وفائدته أنه يبعد الإنسان عن الخطر الكائن فى البيئات الجديدة الغير مُجربة. فمادمت تتذكر تجاربك مع ذلك الشخص أو فى ذلك المكان أو فى ذلك العمل فمعناه ضمنياً أن تلك الأشياء آمنة بالنسبة لك ولم تؤدى لمقتلك بل بالعكس ساعدتك على الحياة والدليل أنك وصلت إلى ما وصلت إليه الآن (فلن تجد أحداً يشعر بالحنين للعبه مع الثعابين مثلاً لأنه سيكون قد مات بالفعل!). وهذا الحنين لا يقتصر على الذكريات القديمة منذ سنين طويلة بل يشمل الأمد القصير أيضاً.. فأنت إن نمت أو أكلت فى مكان معين اليوم فستجد نفسك غداً تبحث تلقائياً عن نفس المكان بالضبط لتنام أو تأكل فيه. وإن جلست يوماً فى مقعد معين فى مدرج الجامعة مثلاً فستجد نفسك تفضله فى المحاضرة التالية دون أن تعرف السبب.. فكل هذا يعمل على مستوى العقل الباطن بصورة آلية دون أن نشعر.
-الإلتزام بالتقاليد: وهو مِثل الحنين إلى الذكريات تماماً، فالذى يلتزم بتقاليد الآباء والأجداد يرسل رسالة للآخرين مفادها أنه "قليل المخاطرة" ومحافظ على أسلوب الحياة الذى مَكّن أسلافه من البقاء والتناسل، وذلك بعكس المجددين والمطورين الذين يسلكون طرقاً جديدة غير مجربة وغير مأمونة العواقب.
-الطمع: الطمع فائدته تحسين حياة المرء، فلو لو يوجد الطمع لما حاول أى شخص الإرتقاء بمستوى معيشته. ولهذا الإرتقاء مزايا بيولوجية بالطبع.. إذ أنه فى الحدود المعقولة يزيد من موارد صاحبه مما يزيد من عمره ويحافظ على صحته ويجعله أكثر مرغوبية وبالتالى يمنحه مزيداً من الفرص للتكاثر.
-الجُبن: الجبن أو الخوف هو عكس الطمع، وهدفه هو إبعاد الإنسان عن المواقف التى قد يكون فيها هلاكه أو تضحيته بمال وجهد لا طائل من ورائه والحفاظ عليه فى المساحة الآمنة التى تكلمنا عنها فى نقطتى الحنين إلى الذكريات والإلتزام بالتقاليد. ويلعب الطبعان -الطمع والخوف- معاً لخلق توازن يعظم مكاسب الإنسان ويقلل من خسائره.
-الصداقة والألفة: لهما فائدة واحدة.. وهى المنافع المتبادلة بين الأصدقاء! ولذا فكان من الطبيعى أن تجد الناس تتجنب طلب خدمات إضافية من أصدقائها إن كانوا قد طلبوا منهم عدة مرات من قَبل ولم تتح لهم الفرصة لرد الجميل مثلاً.. وكأنهم يعرفون ضمناً أن "الصداقة" لا تغدو عن كونها علاقة تجارية مغلفة بالود. كما تجدهم ينجذبون بل ويتهافتون على صداقة ذوى المال والنفوذ بينما يتجنبون صداقة الفقراء والضعفاء بصفة عامة. ومرة أخرى نؤكد أن هذا عادةً ما يحدث لا شعورياً.. فليس بالضرورة أن يفكر المرء قائلاً لنفسه "سأصادق فلان لأنه غنى وأبتعد عن فلان لأنه فقير"، بل يجد نفسه ينجذب لحديث الغنى ذو الجاه دون أن يعرف السبب ويجد نفسه يتجاهل الفقير أو الضعيف دون أن يعرف السبب. وعدم الإنتباه لأسباب رغباتنا هو أكثر ما يذهلنى شخصياً فى موضوع الطباع والمشاعر عند تأمله.. وجرب أنت الآن أن تقيس هذا المثال على معارفك وستفاجأ.
-الكرم والرحمة: لهما نفس فائدة بر الأهل من حيث إعلان للآخرين تعاطفك مع المجتمع ومن ثَم إعلان أنك شريك حياة مناسب (ولهذا تجد مستوى الصدقة يقل جداً بعد الزواج!)، كما أن لهما نفس فائدة الصداقة من حيث أنهما "شبكة تأمين إجتماعية" حيث يساعد المقتدرون غير المقتدرين فى أوقات الشدة، فإن تصدقت على الفقراء اليوم فأنت جدير بعطف الناس غداً حين تتبدل الظروف.. ويمكن التفكير فيهما كـ"صندوق معاش" العصور القديمة قبل إختراع البنوك والتأمينات.
-البخل: فائدته هو المحافظة على ممتلكات الفرد وهو يشكل توازناً مع الكرم، حيث نلاحظ أن المرء كلما إزداد عدد أفراد أسرته وعائلته كلما صار بخيلاً على مَن سواهم لشعوره بالإستغناء عن المجتمع الخارجى والعكس صحيح. فالموضوع ليس أخلاقياً ولا دينياً بل هى المصالح المتبادلة والمنافع المشتركة.
-الرغبة فى الإنتقام والثأر: ترسل رسالة للمعتدِى وللآخرين مفادها أن أذية المعتدَى عليه مرة أخرى مستقبلاً سيكون له عواقب وخيمة. ومثلها الرغبة فى الأخذ بالثأر، فهى وسيلة لتأمين حياة الباقين من العائلة عن طريق إثبات أن دمها ليس رخيصاً.
-الضمير: هدفه تجنب الثأر ومشاكله من البداية، فصاحب الضمير لن يتعرض لإنتقام الآخرين لأنه لن يستفزهم أصلاً. وقد أثبت ذلك تجربة الدكتور مِلجرَم الشهيرة والتى نجح فيها فى جعل متطوعين يظنون أنهم يصعقون متطوعين آخرين بالكهرباء بقوة وصلت تدريجياً لدرجة قاتلة لمجرد أن المشرف على التجربة أكد لهم أنه ليس عليهم أى مسؤولية إن أُصيب الآخرين بمكروه، إذاً ففور إختفاء فكرة "المساءلة" سواء من الآخرين أو من ضمائرنا (بسبب وجود عذر مثل "أنا عبد المأمور ولا أستطيع مخالفة الأوامر" أو "إنها ليست غلطتى بل غلطة فلان") نتحول إلى وحوش بشرية منزوعة الرحمة. يلاحَظ أن الضمير قد يكون له بعض "الأعراض الجانبية" والتى تمتد للمخلوقات التى لن تثأر لنفسها مثل الحيوانات، إلا أنه تأثير محدود ولذا فتعاطف الناس يكون أكثر مع البشر.
-حب النظافة: هدفه المحافظة على الجسم من الأمراض الجلدية والطفيليات.
-بُغض الروائح الكريهة: يحمى الإنسان من التسمم، حيث أن أبغض الأطعمة رائحة إلى البشر هى أكثرها ضرراً عليهم كاللحم الفاسد وجثث الحيوانات المتعفنة. وينفر البشر نفوراً شديداً من رائحة الفضلات لأنها شديدة السمية بالنسبة لهم (وذلك بعكس الذباب مثلاً الذى يحب الروث لأنه مهم لدورة حياته!). ولحاسة التذوق نفس الهدف، إذ أن الناس لا تحب طعم الأغذية الفاسدة بعكس الطازجة التى تكون لذيذة لهم.
-الإشمئزاز من بعض الحشرات: مثل الذباب والصراصير لأنها عادةً ما تحمل أمراضاً ضارة وذلك بعكس الحشرات المفيدة كالنحل والفراشات التى تلقح النباتات فنعتبرها جميلة وتحف فنية.
اللافت هنا يا عزيزى القارىء هو أننا كما نرى عيباً جسدياً فيمن تنقصه عين أو يد أو قدم نرى عيباً نفسياً فى الرَجل الذى تنقصه الغيرة أو الإربة والمرأة التى تنقصها العفة والشخص الذى لا يستحم مثلاً.. أى أن هناك نموذجاً مثالياً للبشر على الصعيدين الجسدى والنفسى نقيس عليه الناس ونحكم على مدى كمالهم بقدر إقترابهم من ذلك النموذج، وليست مصادفة أن يكون ذلك النموذج هو الأنسب للبقاء والتكاثر! والمذهل هنا هو تطور أعراف البشر من عادات وتقاليد وأديان لتحاكى ذلك النموذج المثالى للطباع.. فالرجل الذى يقتل إبنته إن علم أنها حملت سفاحاً يظن أنه يفعل ذلك بدافع "الحفاظ على شرفه" رغم أنه فى الحقيقة يفعله بدافع "الحفاظ على نسله" كى يُرسل رسالة قوية لباقى أفراد أسرته بأن هذا تصرف غير مقبول وغير محتمل (ولذا فهناك علاقة قوية بين عدد الأبناء والإلتزام بقتل الشرف.. فالذى لم يُرزق سوى بإبنة واحدة لن يقتلها إن حملت سفاحاً لأن ذلك سيعنى نهاية نسله بعكس ما لو كان له أربعة بنات مثلاً). والرجل الذى يقتل زوجته إن رآها مع آخر يفعل ذلك لنفس السبب، فهو لم يفكر أبداً أن سبب قتله لها هو حماية نفسه من تربية طفل لا ينتسب له، بل إنه سيفعل ذلك فى كل الأحوال حتى إن كانت عاقراً لا تلد وحتى إن توافرت وسائل تحليل النسب كالحمض النووى لإن ذلك الطبع تم برمجته فى الإنسان وإنتهى الأمر. والرجل الذى يزجر إبنه ليكون قوياً ومعتمداً على نفسه لم يفكر البتة أنه يفعل ذلك كى يضمن بقاء نسله إلى الجيل التالى، فهو يجد شيئاً من داخله يدفعه دفعاً لزجر الولد ليكون قوياً دون أن يدرى ما السبب. وقِس على ذلك كل شىء مما تعارف عليه الناس من "الخير" أو "الشر".. أى أننا كمجتمعات إنسانية صغنا طرقاً للحفاظ على تلك الطباع الأساسية لبقاء النفس والنسل فى أشكال شتى حتى نسينا الهدف الأصلى من وجودها وصارت فى حد ذاتها صفات حسنة وإنتقاصها فى حد ذاته شىء غير مقبول ومنفر بصورة تلقائية تماماً.