مهرة الفارس المصرى
03-14-2012, 04:38 PM
مَّانَعْجَبُ مِنْهُ طَرْحُ الأَقْوالِ وَالأَقَاوِيْلِ وَالمَوَاضِيْعِ كَطَرْحِ البِسَاطِ عَلَى الأَرْضِ دَوْنَ تَنْصِيْصٍ ! وَمَادَعَانِي لِكَتَابَةِ هَذَا المَوْضُوعِ
اللَّبْسُ الوَاقَعُ مِنْ رِجَالِنَا وَنَسَائِنَا خَاصَّةً، وَزعْمِهِنَّ أَنَّ الخَدْمَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَؤُوْنِهِنَّ وَجَزْمِهِنَّ بِذَلِكَ
.
أَقُوْلُ بَدْءًا: قَالَ اِبْنُ حَبِيْبٍ المَالِكِيُّ فِي " الوَاضِحَةِ " بابُ أَقْضِيَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
حَكَمَ النبيُّ المُصْطَفَى بَيْنَ عَلَيٍّ وَبَيْنَ فَاطَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حِيْنَ اِشْتَكَيَا إِلَيْهِ الخَدْمَةَ ، فَحَكَمَ عَلَى
فَاطِمَةَ بِالخِدْمَةِ البَاطِنَةِ ( خِدْمَةُ البَيْتِ ) وَحَكَمَ عَلَى عَلَيٍّ بِالخِدْمَةِ الظَّاهِرَةِ ، ثم قال: اِبْنُ حَبِيْبٍ
المَالِكِيُّ ، وَالخِدْمَةُ البَاطِنَةُ : العَجِينُ ، والطَّبْخُ ، والفَرْشُ ، وكَنْسُ البيتِ ، واِسْتِقَاءُ الماءِ ،
وعَمَلُ البيتِ كُلِّهِ . قَالَ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ .كَانَ اِبْنُ حَبِيْبٍ مُحَدِثَاً فَقِيْهَاً لُغَوِيَّاً
..إِلَخْ . وَرَوَى البُخُارِيُّ فِي بَابِ فَضَائِلِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ : بُابُ مَنَاقِبِ عَلَيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
، أَنَّ فَاطِمَةَ رَضْيَ اللهُ عَنْهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، تَشْكُوْ إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدَيْهَا مِنْ الرَّحَى ،
وَتَسْأَلُهُ خَادِمَاً فَلَمْ تَجِدْهُ ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُوْلُ اللهِ أَخْبَرَتُهُ . قَالَ
عَلِيٌّ : فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا ، فَذَهَبْنَا نَقُوْمُ فَقَالَ : مَكَانَكُمَا ،فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ
قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي ، فَقَالَ : " أَلا أَدُلُكُمَا عَلَى مَاهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلتُمَا ، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا
فَسَبِّحَا اللهَ ثَلاثاً وَثَلاثِيْنَ ، وَاِحْمَدَا ثَلاثَاً وَثَلاثِيْنَ ، وَكَبِّرَا أَرْبَعَاً وَثَلاثِيْنَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ " قَالَ
عَلَيٌّ فَمَا تَرَكْتُهَا بَعْدُ ، قَيْلَ لَهُ : وَلالَيْلَةَ صِفِّيْنَ قَالَ : وَلا لَيْلَةَ صِفِّيْنَ .وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ قَالَ : وَصَحَّ عِنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ :كُنْتُ أَخْدِمُ الزُّبيرَ خَدْمَةَ البِيْتِ كُلِّهِ
، وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ ، وَكُنْتُ أَسُوْسُهُ ، وَكُنْتُ أَحْتَشُّ لَهُ وَأَقُوْمُ عَلَيْهِ . وَفِي سِيَاقٍ وَطَرِيْقِ آخَرَ فِي
المُسْنَدِ أَنَّها كَانَتْ تَعْلِفُ فَرَسَهُ ، وَتَسْقِي المَاءَ ، وتَخْرِزُ الدَّلْوَ، وَتَعْجِنُ وتنْقُلُ النَّوَى
عَلَى رَأْسِهَا مِنْ أَرْضٍ لَهُ مَسَاحَتُهَا ثُلُثَي فَرْسَخٍ .
خِلافُ العُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ
.
القَوْلُ الأَوَّلُ : ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبَوْحَنِيْفَةَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى عَدَمِ وَجُوْبِهَا عَلَى الزَّوْجَةِ
، وَاِسْتَدَلُّوْا بِإِنَّ عَقَدَ النِّكَاحِ إِنَّمَا يِقْتَضِي الاسْتِمْتَاعَ لا الاسْتِخْدَامَ وَبَذْلَ المَنَافِعِ ،
قَالُوْا وَالأَثَارُ المُذْكُوْرَةُ تَدُلُّ عَلَى التَّطَوْعِ وَمَكَارَمِ الأَخْلاقِ فَأَيْنَ الوُجُوْبُ ؟! .
القَوْلُ الثَّانِي : ذَهَبَ الأَكْثَرُوْنَ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ إِلَى وَجُوْبِ خِدْمَةِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا فِي
كُلِّ شَيءٍ ، وَهَذَا المَعْرُوْفُ عِنْدَ مِنْ خَاطَبَهُمُ اللهُ بِكَلامِهِ ، وَأَمَّا تَرْفِيْهُ الزَّوْجَةِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ لِنَفْسِهِ
، وَكَنْسِهِ وَطَحْنِهِ وَعَجْنِهِ ، وَقِيَامِهِ بَخِدْمَةِ البَيْتِ فَمِنَ المُنْكَرِ وَاللهُ يَقُوْلُ : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بَالمَعْرُوْفِ) ،
وَقَالَ تَعَالَى : (الرِّجَالُ قَوَّامُوْنَ عَلَى النِّسَاءِ ) وَإَذَا لَمْ تَخْدِمْهُ الزَّوْجَةُ، وَكَانَ هَوَ الخَادِمُ لَهَا فَهِي القَوَّامَةُ عَلَيْهِ
! وَكَذَلِكَ كَانَ مَهْرُهَا فِي مُقَابَلَةِ بُضْعِهَا . وَكُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ يَقْضِي وَطَرَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ، فَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللهُ نَفَقَتَهَا
وَكِسْوَتَهَا وَمَسْكَنَهَا فِي مُقَابَلَةِ اِسْتِمْتَاعِهِ بِهَا وَخِدْمَتِهَا وَمَاجَرَتْ بِهِ عَادَةُ الأَزْوَاجِ
. وَكَذَلَكَ فَإِنَّ العُقُوْدَ المُطْلَقَةَ إِنَّمَا تُنَزَّلُ عَلَى العُرْفِ ، والعُرْفُ خِدْمَةُ الزَّوْجَةِ وَقِيَامِهَا بِمَصَالِحِ البَيْتِ .
القَوْلُ الثَّالِثُ : ذَهَبَ بَعْضُ العُلَمَاءِكَابْنِ القَيِّمِ إِلى أَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجَةِ تَخْتَلِفُ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ
بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ كَانَ مِثْلُهَا لايَخْدِمُ فِي البُيُوْتِ فَإِنَّهَا لاتَخْدِمُ ، وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ وَجَمْعٌ بَيْنَ الأَدِلَّةِ .
"تَحْرِيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ "
الرَّدُ عَلَى أَصْحَابِ القَوْلِ الأَوَّلِ ،الَّذِيْنَ قَالُوْا إِنَّ خَدْمَةَ فَاطِمَةَ وَأَسْمَاءَ كَانَ تَبَرُّعَاً وَإِحْسَانَاً ،
وَهَذَا يَرُدُّهُ أَنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ تَشْتَكَي مَاتَلْقَى مِنَ الخِدْمَةِ ، فَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ المُصْطَفَى لِعَليٍّ :
لا خِدْمَةَ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا هَيَ عَلَيْكَ وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لايُحَابِي فِي الحُكْمِ أَحَدَاً ،
وَلَمَّا رَأَى أَسْمَاءَ وَالعَلَفُ عَلَى رَأْسِهَا ، وَالزُّبَيْرُ مَعَهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ : لاخِدْمَةَ عَلَيْهَا وَأَنَّ هَذَا ظُلْمٌ لَهَا
، بَلْ أَقَرَّهُ عَلَى اِسْتِخْدَامِهَا ، وَأَقرَّ سَائِرَ أَصْحَابِهِ عَلَى اِسْتِخْدَامِ أَزْوَاجِهِم مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ مِنْهُنَّ
الكَارِهةُ وَالرَّاضِيَةُ ، وَهَذَا أَمْرٌ لارَيْبَ فِيْهِ ، وَهَذِهِ فاَطِمَةُ أَشْرَفُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ كَانَتْ تَخْدِمُ زَوْجَهَا
، وَجَاءَتْ إِلَى أَبِيْهَا تَشْكُوْ إِلَيْهِ الخِدْمَةَ فَلَمْ يُشْكِهَا، وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَى
التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيْثِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ فِي بَابِ الرَّضَاعِ أَنَّهُ قَالَ : اِتْقُوْا اللهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عَنْدَكُم ،
وَالعَانِيُّ : هُوَ الأَسِيْرُ وَمَرْتَبَةُ الأَسِيْرِ خِدْمَةُ مَنْ هَوَ تَحْتَ يَدِهِ
، وَلارَيْبَ أَنَّ النَّكَاحَ نَوْعٌ مِنَ الرِّقِ ،كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ :
النَّكَاحُ رِقٌ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُم عِنْدَ مَنْ يُرِقُّ كَرِيْمَتَهُ ، وَلايَخْفَى عَلَى
المُنْصِفِ الرَّاجِحُ مِنَ المَذَاهِبِ وَالأَقْوَى مِنَ الأَدِلَّةِ . واللهُ أَعَلَمُ .
كُتِبَ فِي الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مَسَاءً وَسَبْعٍ وثَلاثِينَ دَقِيْقَةً مِنْ لَيْلَةِ السَّبْتِ المُوَافِقَةِ لِثَّامِنَ
عشرَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ لعَامِ ثَلاثَةٍ وثَلاثِيْنَ وَأَرْبِعِ مِئَةٍ وَأَلْفٍ مِنْ الهِجْـَرةِ .
اللَّبْسُ الوَاقَعُ مِنْ رِجَالِنَا وَنَسَائِنَا خَاصَّةً، وَزعْمِهِنَّ أَنَّ الخَدْمَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَؤُوْنِهِنَّ وَجَزْمِهِنَّ بِذَلِكَ
.
أَقُوْلُ بَدْءًا: قَالَ اِبْنُ حَبِيْبٍ المَالِكِيُّ فِي " الوَاضِحَةِ " بابُ أَقْضِيَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
حَكَمَ النبيُّ المُصْطَفَى بَيْنَ عَلَيٍّ وَبَيْنَ فَاطَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حِيْنَ اِشْتَكَيَا إِلَيْهِ الخَدْمَةَ ، فَحَكَمَ عَلَى
فَاطِمَةَ بِالخِدْمَةِ البَاطِنَةِ ( خِدْمَةُ البَيْتِ ) وَحَكَمَ عَلَى عَلَيٍّ بِالخِدْمَةِ الظَّاهِرَةِ ، ثم قال: اِبْنُ حَبِيْبٍ
المَالِكِيُّ ، وَالخِدْمَةُ البَاطِنَةُ : العَجِينُ ، والطَّبْخُ ، والفَرْشُ ، وكَنْسُ البيتِ ، واِسْتِقَاءُ الماءِ ،
وعَمَلُ البيتِ كُلِّهِ . قَالَ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ .كَانَ اِبْنُ حَبِيْبٍ مُحَدِثَاً فَقِيْهَاً لُغَوِيَّاً
..إِلَخْ . وَرَوَى البُخُارِيُّ فِي بَابِ فَضَائِلِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ : بُابُ مَنَاقِبِ عَلَيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
، أَنَّ فَاطِمَةَ رَضْيَ اللهُ عَنْهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، تَشْكُوْ إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدَيْهَا مِنْ الرَّحَى ،
وَتَسْأَلُهُ خَادِمَاً فَلَمْ تَجِدْهُ ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُوْلُ اللهِ أَخْبَرَتُهُ . قَالَ
عَلِيٌّ : فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا ، فَذَهَبْنَا نَقُوْمُ فَقَالَ : مَكَانَكُمَا ،فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ
قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي ، فَقَالَ : " أَلا أَدُلُكُمَا عَلَى مَاهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلتُمَا ، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا
فَسَبِّحَا اللهَ ثَلاثاً وَثَلاثِيْنَ ، وَاِحْمَدَا ثَلاثَاً وَثَلاثِيْنَ ، وَكَبِّرَا أَرْبَعَاً وَثَلاثِيْنَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ " قَالَ
عَلَيٌّ فَمَا تَرَكْتُهَا بَعْدُ ، قَيْلَ لَهُ : وَلالَيْلَةَ صِفِّيْنَ قَالَ : وَلا لَيْلَةَ صِفِّيْنَ .وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ قَالَ : وَصَحَّ عِنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ :كُنْتُ أَخْدِمُ الزُّبيرَ خَدْمَةَ البِيْتِ كُلِّهِ
، وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ ، وَكُنْتُ أَسُوْسُهُ ، وَكُنْتُ أَحْتَشُّ لَهُ وَأَقُوْمُ عَلَيْهِ . وَفِي سِيَاقٍ وَطَرِيْقِ آخَرَ فِي
المُسْنَدِ أَنَّها كَانَتْ تَعْلِفُ فَرَسَهُ ، وَتَسْقِي المَاءَ ، وتَخْرِزُ الدَّلْوَ، وَتَعْجِنُ وتنْقُلُ النَّوَى
عَلَى رَأْسِهَا مِنْ أَرْضٍ لَهُ مَسَاحَتُهَا ثُلُثَي فَرْسَخٍ .
خِلافُ العُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ
.
القَوْلُ الأَوَّلُ : ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبَوْحَنِيْفَةَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى عَدَمِ وَجُوْبِهَا عَلَى الزَّوْجَةِ
، وَاِسْتَدَلُّوْا بِإِنَّ عَقَدَ النِّكَاحِ إِنَّمَا يِقْتَضِي الاسْتِمْتَاعَ لا الاسْتِخْدَامَ وَبَذْلَ المَنَافِعِ ،
قَالُوْا وَالأَثَارُ المُذْكُوْرَةُ تَدُلُّ عَلَى التَّطَوْعِ وَمَكَارَمِ الأَخْلاقِ فَأَيْنَ الوُجُوْبُ ؟! .
القَوْلُ الثَّانِي : ذَهَبَ الأَكْثَرُوْنَ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ إِلَى وَجُوْبِ خِدْمَةِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا فِي
كُلِّ شَيءٍ ، وَهَذَا المَعْرُوْفُ عِنْدَ مِنْ خَاطَبَهُمُ اللهُ بِكَلامِهِ ، وَأَمَّا تَرْفِيْهُ الزَّوْجَةِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ لِنَفْسِهِ
، وَكَنْسِهِ وَطَحْنِهِ وَعَجْنِهِ ، وَقِيَامِهِ بَخِدْمَةِ البَيْتِ فَمِنَ المُنْكَرِ وَاللهُ يَقُوْلُ : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بَالمَعْرُوْفِ) ،
وَقَالَ تَعَالَى : (الرِّجَالُ قَوَّامُوْنَ عَلَى النِّسَاءِ ) وَإَذَا لَمْ تَخْدِمْهُ الزَّوْجَةُ، وَكَانَ هَوَ الخَادِمُ لَهَا فَهِي القَوَّامَةُ عَلَيْهِ
! وَكَذَلِكَ كَانَ مَهْرُهَا فِي مُقَابَلَةِ بُضْعِهَا . وَكُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ يَقْضِي وَطَرَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ، فَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللهُ نَفَقَتَهَا
وَكِسْوَتَهَا وَمَسْكَنَهَا فِي مُقَابَلَةِ اِسْتِمْتَاعِهِ بِهَا وَخِدْمَتِهَا وَمَاجَرَتْ بِهِ عَادَةُ الأَزْوَاجِ
. وَكَذَلَكَ فَإِنَّ العُقُوْدَ المُطْلَقَةَ إِنَّمَا تُنَزَّلُ عَلَى العُرْفِ ، والعُرْفُ خِدْمَةُ الزَّوْجَةِ وَقِيَامِهَا بِمَصَالِحِ البَيْتِ .
القَوْلُ الثَّالِثُ : ذَهَبَ بَعْضُ العُلَمَاءِكَابْنِ القَيِّمِ إِلى أَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجَةِ تَخْتَلِفُ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ
بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ كَانَ مِثْلُهَا لايَخْدِمُ فِي البُيُوْتِ فَإِنَّهَا لاتَخْدِمُ ، وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ وَجَمْعٌ بَيْنَ الأَدِلَّةِ .
"تَحْرِيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ "
الرَّدُ عَلَى أَصْحَابِ القَوْلِ الأَوَّلِ ،الَّذِيْنَ قَالُوْا إِنَّ خَدْمَةَ فَاطِمَةَ وَأَسْمَاءَ كَانَ تَبَرُّعَاً وَإِحْسَانَاً ،
وَهَذَا يَرُدُّهُ أَنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ تَشْتَكَي مَاتَلْقَى مِنَ الخِدْمَةِ ، فَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ المُصْطَفَى لِعَليٍّ :
لا خِدْمَةَ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا هَيَ عَلَيْكَ وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لايُحَابِي فِي الحُكْمِ أَحَدَاً ،
وَلَمَّا رَأَى أَسْمَاءَ وَالعَلَفُ عَلَى رَأْسِهَا ، وَالزُّبَيْرُ مَعَهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ : لاخِدْمَةَ عَلَيْهَا وَأَنَّ هَذَا ظُلْمٌ لَهَا
، بَلْ أَقَرَّهُ عَلَى اِسْتِخْدَامِهَا ، وَأَقرَّ سَائِرَ أَصْحَابِهِ عَلَى اِسْتِخْدَامِ أَزْوَاجِهِم مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ مِنْهُنَّ
الكَارِهةُ وَالرَّاضِيَةُ ، وَهَذَا أَمْرٌ لارَيْبَ فِيْهِ ، وَهَذِهِ فاَطِمَةُ أَشْرَفُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ كَانَتْ تَخْدِمُ زَوْجَهَا
، وَجَاءَتْ إِلَى أَبِيْهَا تَشْكُوْ إِلَيْهِ الخِدْمَةَ فَلَمْ يُشْكِهَا، وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَى
التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيْثِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ فِي بَابِ الرَّضَاعِ أَنَّهُ قَالَ : اِتْقُوْا اللهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عَنْدَكُم ،
وَالعَانِيُّ : هُوَ الأَسِيْرُ وَمَرْتَبَةُ الأَسِيْرِ خِدْمَةُ مَنْ هَوَ تَحْتَ يَدِهِ
، وَلارَيْبَ أَنَّ النَّكَاحَ نَوْعٌ مِنَ الرِّقِ ،كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ :
النَّكَاحُ رِقٌ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُم عِنْدَ مَنْ يُرِقُّ كَرِيْمَتَهُ ، وَلايَخْفَى عَلَى
المُنْصِفِ الرَّاجِحُ مِنَ المَذَاهِبِ وَالأَقْوَى مِنَ الأَدِلَّةِ . واللهُ أَعَلَمُ .
كُتِبَ فِي الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مَسَاءً وَسَبْعٍ وثَلاثِينَ دَقِيْقَةً مِنْ لَيْلَةِ السَّبْتِ المُوَافِقَةِ لِثَّامِنَ
عشرَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ لعَامِ ثَلاثَةٍ وثَلاثِيْنَ وَأَرْبِعِ مِئَةٍ وَأَلْفٍ مِنْ الهِجْـَرةِ .