ندى الورد
05-18-2014, 08:53 AM
ارباب المال والاعمال بين المظلمة والاحسان
ارباب المال والاعمال بين المظلمة والاحسان
http://www.arabsharing.com/uploads/1396032485882.jpg
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد ,,,
نحن إخوانكم وأحبابكم من سادة المال والأعمال(رجالاً ونساءً) ممن ابتلاهم الله بالغنى والمال ، وقد اكتشفنا حقائق عن أنفسنا وأموالنا وآثارها المباركة ومدى تلبيتها لاحتياجات مجتمعاتنا في الداخل والخارج ، حينما دخلنا ميدان العطاء الخيري فأوقف بعضنا ، وتصدق الآخر بجزء من ماله فأسس من ثروته مؤسساتٍ مانحةً ، وقد تجاوزنا بذلك العطاء معظم العوائق والتحديات النفسية والاجتماعية، وبالرغم من تقصيرنا في هذا المجال فقد رغبنا تذكير أنفسنا وإخواننا ، لاسيما بعد إحساسنا بالسعادة والانتصار على شح أنفسنا إلى حد كبير ، وقد أوجب هذا علينا نشر هذا الخير للغير ، ورغبنا تدوين بعض الوقفات علَّها تُسهم في إيصال بعض الحقائق لغيرنا خاصةً لشركائنا في المال والأعمال، فكانت هذه الرسالة الموجزة :
الوقفة الأولى : المال والرسالة :
إننا في هذه الرسالة الصغيرة نذكر أنفسنا ونخاطب إخواننا وأخواتنا محبة في الجميع وللجميع ، نخاطبكم من أجلكم قبل أن يكون من أجلنا ، فقد أدركنا ما يجب أن تُدركوه معنا ، وأحببنا لكم ما أحببناه لأنفسنا ، فمن لوازم الإيمان أن نحب لكم ما نحبه لأنفسنا.. وقد أعطانا الله الكثير وطلب منا إقراضه اليسير ليضاعفه لنا {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} سورة البقرة : (254) .
أحبابنا: لقد أصبح غيرنا من غير أرباب المال والأعمال يأكل ويشرب كما نأكل ونشرب، ويسكن كما نسكن ويركب كما نحن نركب، وقد يَسْعَدُ غيرنا بالحياة أكثر مما نسعد . . وماذا بعد كل ما نجمع ، أفلا نتفكر ؟ ونعمل شيئاً عن غيرنا به نتميز؟ وهذا ميداننا الذي به نتنافس ، إننا نخشى أن تكون أموالنا لغيرنا غنماً وعلينا غرماً، لقد كان سلفنا سبَّاقين لتجهيز كل أنواع البر والإحسان من أعمال القطاع الخيري ومشروعاته وهذا حق المال وتلك تزكيته وإنماؤه. لقد جاء فقراء الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوا له أن ليس عندهم أموال يتصدقون بها كما للأغنياء كما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه عنه أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم..”( ) وهم بهذا يقصدون أصحاب المال ، وما ميزهم الله به .
إننا نؤمن بحكم ديننا أن المال مال الله – ليس لنا- فنحن مستخلفون فيه فناظر ماذا نعمل.
وقد أدركنا أن المال المكتسب من حلال لا يمكن أن يُشقي صاحبه ، بل هو راحة له في الدنيا والآخرة، فعلينا النظر والتأمل في حالنا مع أموالنا !!
لقد أدركنا من واقع تجربتنا العملية أن المال لا يكون من مصادر السعادة – في الأولى والآخرة – إلا حينما يكون تابعاً لنا ولسنا تابعين له .. حينما يكون مقوداً لا قائداً ومسوداً لا سيداً {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} سورة محمد :(38) .
إن مكانة المال الحقيقية أن نملكه ولا يملكنا ، ونسخِّره ولا يسخِّرنا ، ونوجِّهه ولا يوجِّهنا ، ونكون ملوكاً عليه لا عبيداً أو أسرى له ، بل إن تزكيته ونماءَه في عطائه ، وهذا كفيل بحفظ أمن العباد والبلاد ، وبالتالي أمننا واستقرار أوطاننا .
إن من الحقائق والمسلمات أننا راحلون عن ثرواتنا ، لكن تبعاته لن ترحل عنا، فسيكون السؤال لنا عن أموالنا (من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟) فلا بد أن نعد للسؤال جواباً .
إننا بحاجة ماسة إلى تزكية أنفسنا وأموالنا ، بل وزيادة إيماننا بمنافسة أعداء الإسلام ومؤسساتهم بالعمل على تقوية الأوقاف والهبات بين المسلمين ، ولنتجاوز بهذه الأعمال الصالحة أزمات الشكوك وهواجس الأمن وحب الذات ، وتقديس المال، وتكديس الثروات ، ونبادر من تلقاء أنفسنا بما يخدم ديننا ووطننا بالإسهام والشراكة جميعاً في بعض الأوليات كالتعليم والإعلام، وإننا وإياكم مطالبون بالمبادرات العملية والخطوات التنفيذية بتأسيس المكاتب والمؤسسات الخيرية المانحة وبالإسهامات القوية بالوقف والوصايا.كتاب الله واجب علينا ، لقد جمع الله حرمان اليتامى أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) } سورة الماعون .
الوقفة الثانية : حال السلف :
أحبابنا: إننا وإياكم بحاجة ماسة إلى العمل على رضى الرحمن ودفع غضبه ، فعمل الخير لله دون سواه ، لا يُنتظر فيه الشكر والعرفان ، فتقديم الخير للآخرين واجب ومسنون ، وهو بحد ذاته شكر وثناء للرحمن، وإننا جميعاً بحاجة ماسة إلى الإخلاص ووضوح الهدف {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} سورة الإنسان :(9) .
ونحن وإياكم واثقون بأننا بهذا الهدف نقتدي بخير السلف ، وسوف نحظى برضى الخالق وبتقدير المخلوقين فالعاقبة للمتقين (من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤونة الناس)( ).
لقد سبقنا أبو بكر رضي الله عنه ببذله وعطائه، حتى ليكاد الناظر إلى نفقاته أن يقول سوف يصبح فقيراً، ولكن الإنفاق يزيد من أصل المال (ما نقص مال من صدقة ، بل تزده ، بل تزده)( ).
إننا لم ننس ما فعل عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه في عام الرمادة ؟ وإنه لا يخفانا جميعاً تجهيز عثمان رضي الله عنه لجيش العسرة وإرهاب الرومان حماية لدولة الإسلام والقرآن .
لقد تنافس سلفنا الصالح على بذل أصول أموالهم دون فضولها بالأوقاف {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} آل عمران :(92) ، فكانت خير النتائج لأمة الإسلام ، وكانت خير الحضارات عبر التاريخ .
لقد سبقنا الآباء والأجداد بإيقاف معظم ما يملكون لإيمانهم العميق بديمومة الملكية بعد الممات ، حيث ثواب لا ينقطع وأجر لا يتوقف .
ولقد تنافس سلفنا في الحفاظ على قوة الأمة وبناء حضارتها الزاهرة بالوقف على الجوامع والجامعات، وعلى العلم والتعليم، والإسكان والمستشفيات، وعلى العجزة والأيتام والمساكين، بل وعلى الثغور والمجاهدين ، حتى استفاد الغرب من تجربتنا الحضارية في نظام الأوقاف وتشريعاته بشهادة مؤرخيه وكُتَّابه المنصفين .
الوقفة الثالثة: الثروة والبنوك :
أحبابنا (رجالاً ونساءً).. إنه لن يُرضي ربنا، ولن يُرضي مجتمعاتنا، كما أنه لن يرضي ضمائرنا (واقع حالنا مع أموالنا) وأن تكون ثرواتنا في بنوك غيرنا أو في بنوكنا ولكنها تسهم في فعاليات التنمية لغيرنا.. إننا يجب أن نعمل على حماية أموالنا من أن تكون وسيلة ضغط وابتزاز علينا وعلى دولنا.
أليس من المخجل حقاً لنا جميعاً في ظل الاحتكار وسياسيات الرأسمالية المتوحشة أن تزداد شرائح الفقراء وأعدادهم وتتقلص شرائح الطبقات الوسطى في العالم العربي والإسلامي عاماً بعد عام (حسب الإحصائيات) وقد بلغت الإيداعات النقدية العربية في البنوك الأجنبية في دول السوق الأوربية المشتركة لوحدها (650) مليار دولار، كما بلغت في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي تريليون (975) مليار دولار، كما أن حجم ثروات الأثرياء العرب الشخصية فقط (800) مليار دولار، كما أن هناك مصادر أخرى تقول: إن الثروات الفردية الخليجية المستثمرة في الخارج بلغت (1.2) تريليون دولار( ) .
اليس من المخجل أن نكون شُهداء على عدم العدالة الاجتماعية مع هذا الثراء المحتكر في مجتمعاتنا الإسلامية ، بل ومسهمين في تعزيزها من خلال واقعنا مع أموالنا ، لقد شَهِدَت منطقة الشرق الأوسط حسب تقارير عام 2011م ارتفاع عدد أثريائها على حساب الطبقة الوسطى والفقراء بنسبة وصلت 10.4% ووصل عددهم إلى (440.000) ثري وارتفعت ثرواتهم الإجمالية بنسبة (12.5%) لتصل إلى (1.7) تريليون دولار ، فماذا لو تم إخراج زكاة هذه الأموال فقط فضلاً عن التبرع والوقف والهبات .
لقد أشارت التقارير المالية الحديثة بشكل أدق إلى واقع منطقتنا (دول الخليج) فقالت : ” بلغ عدد الأثرياء في السعودية 113.300 ثري في عام 2010م ، بزيادة نسبتها 8.2 في المائة مقارنة مع عام 2009م ، ووصل عدد الأثرياء في البحرين إلى 6.700 ثري بزيادة نسبتها 24.0 في المائة مقارنة مع عام 2009م ، وفي المقابل، انخفض عدد الأثرياء في الإمارات العربية المتحدة بنسبة 3.5 في المائة ليكون الأثرياء فيها 52.600 ثري”( ) .
لقد كشفت الشفافية المالية والاقتصادية عورات البنوك الخاصة والعامة وعلى رأسها (البنوك المركزية) حيث كشفت تلك الشفافية استثمار البنوك المركزية لمعظم أو كل السيولة النقدية الخاصة والعامة القائمة على كل الأرصدة البنكية للبنوك الفرعية بما يسمى (صناديق السيادة) و(سندات الخزانة الأمريكية)( ) وكل ذلك قبل اكتمال البنية التنموية الأساسية لأوطاننا ، بل إن هذا يتم على حساب معالجة ضعف العدالة الاجتماعية ، ألا يُشكِّلُ هذا الواقع عاراً مضاعفاً أكثر علينا وعلى حكوماتنا؟
أين إسهامنا في الأوقاف الخاصة التي تعالج خلل العدالة الاجتماعية في ظل غياب دور الأوقاف العامة ومخرجاتها في مجالات تحقيق تلك العدالة وتعزيز التنمية في شتى المجالات ؟ بل أين إسهاماتنا في التنمية المستدامة والمتنوعة في زيادة فرص العمل وتنويع الاستثمار والنمو الإيجابي للاقتصاد من خلال الأوقاف الخاصة المستقلة والمؤسسات المانحة ؟ وأين دورنا بانشاء الجامعات المستقلة وغير الربحية ؟ وأين دورنا مع البنوك المحلية التي عززنا أرصدتها بأموالنا ؟ أين الادوار العملية في الإسهام بميلاد القطاع الثالث كقطاع مستقل في عالمنا العربي والإسلامي( ) ؟ أين الجهود المبذولة لأوقافنا الخاصة واستثماراتها وأرصدتها في الضغط على بنوكنا للعمل الجاد والمخلص في مجالات التنمية الاجتماعية أوشراكتها في أعمال مؤسسات القطاع الخيري قرضاً أو تبرعاً أو مساندة استثمارية ، ولو بجزء يسير من تلك الإيداعات النقدية التي فاقت فوائدها نظيراتها في بقية بنوك دول العالم؟! بل أين شراكة البنوك في ميادين التنمية ، وهي المستفيد الأول من الجميع حتى من حسابات الفقراء؟!.
حيث لا ضرائب عليها للقطاع الحكومي ولا فوائد للمودعين تحرجاً من الربا ، فأين رد الجميل للمودعين في خدمة المصالح العامة ؟ وأين البنوك والمؤسسات التجارية من العمل بمسؤلياتها الاجتماعية ، وأين دورها الحضاري والإنساني بالوفاء للأفراد والمجتمعات وأعمال الخير للمؤسسات؟ اليس معلوماً أن تكديس الأموال وتقديس الاقتصاد يعمق الأزمات ويصنع الثورات!!.
الوقفة الرابعة : عطاء الآخرين :
إننا ونحن نخاطب إخواننا وأخواتنا من سادة المال والأعمال نعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا يرضينا أن يسبقنا غيرنا من اليهود والنصارى في الإنفاق والعطاء وتأسيس الأوقاف الخاصة ، وقد تجرد كثير منهم من ماله أو من جزء كبير منه .
لقد لفت انتباه الجميع تبرعات وأوقاف ومنح سورس اليهودي الأمريكي (suros ) الذي فتح بأمواله (33) فرعاً لأعماله الخيرية وخص منها (28) فرعاً في بلادنا الإسلامية، ومن أبرز أعماله برنامج المنح الدراسية لآلاف الطلاب، وخص منها بلادنا بلاد البلقان المسلمة والتي دفع لها بمفرده (350) مليون دولار، ثم تجاوز عمله إلى بلادنا الأخرى (الجمهوريات الإسلامية)( )، في ظل انحسار أنشطة مؤسسات الدول الإسلامية وبرامجها .
ولا بد من وقفات طويلة عند حجم وقوة مؤسسات غيرنا الوقفية من أمثال: ليلي إند أونت (12.5) مليار دولار، ومؤسسة نوبل وجوائزه الوقفية، ومؤسسة فورد بجامعتها ومستشفاها (10.8) مليار دولار، ومؤسسة روكفلر، وديوك بتعليمها وطبها، ومؤسسة (روبرت وودجونسون (8.7) مليار دولار) وغيرها كثير.
لقد استوقفنا كثيراً تبرع (موناهان) الأمريكي الذي تبرع بكل ثروته (دومينوز بيتزا) لصالح الكاثوليك ، بل وتبرع ببيوته وقصره ويخوته ، وذلك تجاوباً منه وتفاعلاً مع الكنيسة بعد قراءته أو سماعه لكتاب أحد القساوسة .
ثم استوقفنا أكثر واقع نماذج أخرى من الأوقاف الغربية ، مثل وقف أعمال وأنشطة مؤسسة (بل غيتس وزوجته ميلندا) الخيرية مالك شركة مايكروسوفت الأمريكية ، والذي أوقف أكثر من (24) مليار دولار عام 2000م وذلك بما يساوي 40% تقريباً من ثروته( ).
ثم كان تبرع رجل الأعمال الأمريكي وارن بافت بـ(37) مليار دولار، هي معظم ثروته (85%)، وكان انضمامه بأمواله وشراكته مع مؤسسة بيل غيتس الخيرية حدثاً تاريخياً تفاعلت معه وسائل الإعلام العالمية.
إنه يجب أن لا يرضينا أن يسبقنا غيرنا في البذل والعطاء حيث يدفع الأصوليون النصارى في أمريكا (عددهم يتجاوز (80) مليون) 5 % من دخلهم الصافي للمنظمات غير الربحية وذلك قبل تسديدهم للضرائب عدا عن تسديد معظم الضرائب لتلك المؤسسات .
ولعله من المهم لإخواننا وأخواتنا أرباب المال والأعمال أن نذكر أنفسنا جميعاً بتداعيات (أحداث سبتمبر2001م) الخيرية ، حيث سُخِّرت كل وسائل التبرعات لتتحول إلى حملات في معظم المحطات التلفزيونية والإذاعية والوسائل الإعلامية في أمريكا ، وقامت بتغطية الاحتياج من التبرعات حتى بلغت (1.8) مليار في أواخر ديسمبر من العام نفسه ، حينما تم إيقاف تلك التبرعات نظراً للاكتفاء – بالرغم من تغطية شركات التأمين لجميع أضرار وخسائر المؤسسات والمباني والأفراد والطائرات-.
ولقد أسهم القطاع الخاص الأمريكي بحوالي (ثلث) المبلغ السابق حينما تبرعت (543) مؤسسة تجارية أهلية بمبلغ إجمالي وصل إلى (621.5) مليون دولار، وقد أثبتت المسوحات الاجتماعية الأمريكية عن أحداث 11سبتمبر ارتفاع نسبة معدلات الوصايا والأوقاف( ) ، فهلاَّ كانت كارثة فلسطين المتجددة عاملاً مساعداً لنا جميعاً على الزيادة فكيف بالنقصان؟. وهلاَّ أصبحت الآثار السلبية لتداعيات أحداث سبتمبر على عالمنا الإسلامي عاملاً محركاً للعطاء بقوة!! فإين آثار مآسي الحروب والفقر والمجاعات على استراتيجياتنا طويلة الأجل في التنمية والمعالجات لأحوال إخواننا المسلمين في الصومال وافغانستان وبورما واليمن والباكستان وغيرها.
إننا لن نَرضَى عن أنفسنا حينما نتأمل حالنا مع أموالنا ، ثم نقرأ عن حملات التبرعات الدائمة والطارئة في داخل أمريكا وخارجها لصالح إسرائيل دعماً لإرهابها وسحقاً لإخواننا وقضيتنا في فلسطين ؛ الذين ما زالوا يقيمون ببطولاتهم وانتفاضتهم درعاً واقياً ، وخطاً أول للدفاع عن الجميع، بل وسياجاً أمنياً لنا ولمجتمعاتنا ولدولنا ، بل وحماية لأموالنا .
الوقفة الخامسة : المؤسسات والجمعيات:
إننا لا نخاطب أحبابنا وشركاءنا في المال من أجل واجب الزكاة فهذا أمر محسوم، ومن لا يؤِدِ هذا الواجب فلا مكان هنا لمخاطبته ، ولكننا نخاطب من أكرمه الله بأن يكون من أهل تنمية المال بالصدقات والأوقاف والتبرعات ، ونخاطب شركاءنا من سادة المال والأعمال (رجالاً ونساءً) الذين ابتلاهم الله بالغنى كما ابتلى غيرهم بالفقر ليتداركوا ما بقي من أعمارهم بالعطاء {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} سورة الأنبياء:(35)،{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} سورة التغابن:(15).
إننا جميعاً محتاجون وبشكل كبير إلى مؤسسات القطاع الخيري أكثر من احتياجها لنا؛ لأنها تحقق النيابة عنا وتحمل الكثير من الأعباء عن كواهلنا ، لا سيما في العمل على تحقيق فريضة التكافل والتعاون والتآخي وفريضة التداعي لآلام الجسد الإسلامي الواحد .
إن المؤسسات الخيرية ، والجمعيات الأهلية؛ تحقق لنا الغُنم وتتحمل عنا مسؤولية الغُرم- إن وجد –، وإننا ندرك أن رسالة مؤسسات القطاع الخيري صعبة أكثر منا، ولأجل هذا فقد أشركهم الله بالأجر مثلنا ومعنا (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)( ) .
إن تلك المؤسسات ترفع عنا تبعات المسؤولية، وتتحمل عنا تبعات التقصير، وتبعات الهواجس الأمنية، وهي لا تستغني عن مساندتنا المعنوية والمادية.
إن تلك المؤسسات بأعمالها ومشاريعها تُعتَبر من خطوط الدفاع الأولى عنا وعن مصالحنا، حيث إنها من خير ما يوفر القوة والأمن الوقائي لدولنا ومجتمعاتنا، وهي بوجودها المؤسسي أصبحت حجة علينا وحجة لنا.
إن أعمالها الخيرية صمام أمان للقطاع العام والخاص ، وإنها حماية لنا ، فهلا بحثنا عن مؤسساتنا الخيرية قبل أن تبحث عنا ، وهلا أعطيناها قبل أن تطلبنا، وبادرنا إليها قبل أن تبادر إلينا ، وجددنا الأهداف والنيات بجمع الأموال لإنفاقها على أبواب الخير والنفع العام لتكون التجارة الرابحة مع الله من أهم مخرجات أموالنا.
إنها صوتنا المسموع، وسفيرنا في الداخل والخارج حيث لا يعرف العمل الخيري حدوداً ولا سدوداً ، ولم يفرق بين المحتاجين عبر جميع العصور والأزمان وفي أي مكان .
وإن العمل الخيري العالمي الآن يتجاوز حدود الزمان والمكان لتحقيق أهدافه المتباينة لكسب العقول والقلوب والأفكار ، ولكنه في الإسلام يتحرك بدوافع الإيمان والإحسان ، وسفير خير وأمان إلى كل الأوطان ، ليمد جسور التلاحم بين الأمم والدول وبين الأغنياء والفقراء .
إخواننا وأخواتنا سـادة المال والأعمال .. إننا نرجو أن تكون هذه الوقفات حافزاً لنا جميعاً إلى كل أنواع المبادارات مع اعتبار الحقائق التالية :
الحقيقة الأولى: تؤكد الرؤى المستقبلية أن المستقبل لمؤسسات القطاع الخيري الإسلامي برغم التحديات والصعوبات والعوائق ، فالمستقبل لهذا الدين ومؤسساته حسب المؤشرات والمعطيات العلمية( )، وقبل هذا فإن الله لا يخلف وعده {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} سورة الروم (47)، ودين الله منتصر بنا أو بغيرنا مانحين للمال وممنوحين وعاملين، والغُنم كل الغُنم للسبَّاقين إلى الخير المدركين للجدوى الاقتصادية لأموالهم ومنحهم ..
لقد أصبحت مؤسسات القطاع الخيري الإسلامي – بفضل الله ثم بدعم بعض إخواننا وأخواتنا سادة المال والأعمال ممن أكرمهم الله بحسن البذل والعطاء- رقماً له أهميته في المعادلة الدولية والشراكة التنموية في الساحات المحلية والعالمية , و لهذا كان الاستهداف للإسلام ومؤسساته , فعنصر المنافسة من الإسلام ومؤسساته الخيرية غير غائب في الأسباب والدوافع والأهداف في دعاوى الإرهاب على تلك المؤسسات والجمعيات .
بل أصبح الإسلام ومؤسساته في لغة بعض الدوائر السياسية الغربية يسمى (الخصوم الجدد) أو (المصارعون الجدد) , وحقيقته – المرة عند خصومه – أنه دين منافس قوي بما يحمله من قيم ومبادئ وتشريعات وأخلاقيات في العلاقات والعطاء، وهذا ما لفت أنظار خصوم هذا الدين حيث برامج المؤسسات الإسلامية المانحة والممنـــوحة التي حققت نجاحاً مشهــوداً في الساحات الإسلامية المحلية والعــــالمية ، -حسب شهادات الخصوم – وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
الحقيقة الثانية : إن دعاوى الإرهاب – التي فشلت( )- بسقوط التهم والدعاوى على المانحين والممنوحين يجب أن تكون خير مذكر لكل مدَّكر ، وخير حافز للمراجعات مع النفس دون التراجعات عن نفع الغير ، فالخوف والرجاء يجب أن يكون من الله ، والثواب والعقاب ليس من البشر ، وهما خير حافز على العمل {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}سورة التوبة :(120)، { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}سورة الزلزلة (7-8) والابتلاء سنة كونية ماضية مع الجميع {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} سورة الملك (2) ، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} سورة العنكبوت (2) .
لقد ثبت لنا ولغيرنا وكشفت الحقائق العلمية أن تلك الدعاوى على مؤسساتنا وأثريائنا ودولنا لم تكن إلا بسبب ما تحقق من خير كبير ومكتسبات كثيرة تفرض علينا المحافظة عليها، لقد كانت مؤسساتنا منافساً ناجحاً ضاقت بها منظمات التنصير والتغريب التي تجتاح بلادنا الإسلامية في شرقها وغربها .
ثم إن بوادر السنن الكونية الربانية بالعقوبات هو المتوقع في حال تقصيرنا وشحَّنا مع أنفسنا، فقد يكون محق البركة في المال والكساد لبعض جوانب الاقتصاد، وقد يكون من العقوبات أن نُحرَمَ بحب هذا المال عن إنفاقه، ونكون أسرى له ولمؤشراته، والحقيقة أن من العار أن نمتنع عن مناولة الماعون للمحتاجين، ويتضاعف العار على الجميع حينما تصحبه جريمة منع الماعون بمزاعم تمويل الإرهاب ودعاويه .
الحقيقة الثالثة : لقد حان الوقت لتوسيع مفاهيم الخير والبر ودعم أي مبادرة للانتقال الإداري من القطاع الخيري إلى القطاع الثالث ، للإسهام في كل جوانب التنمية الشاملة ، التي لا تدعم فعل الخيرات فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى جوانب تنشيطه وتنميته لمضاعفة الثمرات ، ومن ذلك الإسهام في إيجاد قنوات الإعلام المتخصصة والهادفة ، والإسهام في تأسيس الصحف والمجلات والإذاعات ، وتبني مراكز البحوث والدراسات، وتشجيع الباحثين والمتخصصين في تنشيط وتأصيل أعمال المؤسسات، ودعمها بالبحوث والاستشارات، إننا بحاجة إلى إعادة النظر في الإسهام القوي في مفاهيم تفعيل الخير للغير ودعم وتأسيس المؤسسات الخيرية وغير الربحية مثل: الجامعات والمستشفيات (غير الربحية) وبكل وسائل التنشيط والفعالية خاصة المعنية بالجوانب العلمية والإعلامية وجوانب التدريب والإدارة .
أحبابنا وشركاء نا سادة المال والأعمال (رجالاً ونساءً): إن مؤشرات سقوط الرأسمالية المتوحشة بقروضها الربوية ظاهرة للعيان من خلال الأزمات المالية التي تتكشف يوماً بعد يوم، وسوف تفعل فعلها في سقوط الدول واقتصادها، وإن سعار الإندماجات الشرسة للشركات متعددة الجنسيات (المعولمة) مؤشر خطير على الاقتصاديات المحلية مما يضعف المشاريع الصغيرة ويقلل فرص العمل لدى المؤسسات الوطنية ومشاريعها، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وهذا ما يجب أن نستعد له بمؤسسات مانحة وأوقاف خاصة تنموية باستراتيجيات طويلة الأجل تتناسب والمراحل الصعبة .
إخواننا وشركاءنا في المال : لو تأملنا جيداً ما سبق من وقفات وما تلاها من حقائق، وفوق هذا تأملنا بقوة الغاية من هذه الحياة الدنيا وحقيقة وظائف المال الذي ابتلانا الله به ، لكانت لنا وقفة أخرى مع أموالنا ، وإن من الحقائق أن قطار الحياة مع البر والخيرية سريع ، فلنكن جميعاً عربة من عرباته ، ولتتكامل فينا وبنا وبأموالنا منظومة مؤسسات القطاع الثالث حتى تكون الشراكة الحقيقية في المسيرة والتنمية لدولنا ومجتمعاتنا الإسلامية ، وتلك المكانة الحقيقية للوصول إلى ميدان المنافسة : {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} سورة المطففين:(26)( ) .
وفي الأخير: نعتذر إليكم عن عاطفتنا الجياشة التي سيطرت على رسالتنا ، ولكم جزيل شكرنا وتقديرنا سلفاً لحسن استجابتكم لما فيه الخير لنا ولكم ..
ارباب المال والاعمال بين المظلمة والاحسان
http://www.arabsharing.com/uploads/1396032485882.jpg
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد ,,,
نحن إخوانكم وأحبابكم من سادة المال والأعمال(رجالاً ونساءً) ممن ابتلاهم الله بالغنى والمال ، وقد اكتشفنا حقائق عن أنفسنا وأموالنا وآثارها المباركة ومدى تلبيتها لاحتياجات مجتمعاتنا في الداخل والخارج ، حينما دخلنا ميدان العطاء الخيري فأوقف بعضنا ، وتصدق الآخر بجزء من ماله فأسس من ثروته مؤسساتٍ مانحةً ، وقد تجاوزنا بذلك العطاء معظم العوائق والتحديات النفسية والاجتماعية، وبالرغم من تقصيرنا في هذا المجال فقد رغبنا تذكير أنفسنا وإخواننا ، لاسيما بعد إحساسنا بالسعادة والانتصار على شح أنفسنا إلى حد كبير ، وقد أوجب هذا علينا نشر هذا الخير للغير ، ورغبنا تدوين بعض الوقفات علَّها تُسهم في إيصال بعض الحقائق لغيرنا خاصةً لشركائنا في المال والأعمال، فكانت هذه الرسالة الموجزة :
الوقفة الأولى : المال والرسالة :
إننا في هذه الرسالة الصغيرة نذكر أنفسنا ونخاطب إخواننا وأخواتنا محبة في الجميع وللجميع ، نخاطبكم من أجلكم قبل أن يكون من أجلنا ، فقد أدركنا ما يجب أن تُدركوه معنا ، وأحببنا لكم ما أحببناه لأنفسنا ، فمن لوازم الإيمان أن نحب لكم ما نحبه لأنفسنا.. وقد أعطانا الله الكثير وطلب منا إقراضه اليسير ليضاعفه لنا {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} سورة البقرة : (254) .
أحبابنا: لقد أصبح غيرنا من غير أرباب المال والأعمال يأكل ويشرب كما نأكل ونشرب، ويسكن كما نسكن ويركب كما نحن نركب، وقد يَسْعَدُ غيرنا بالحياة أكثر مما نسعد . . وماذا بعد كل ما نجمع ، أفلا نتفكر ؟ ونعمل شيئاً عن غيرنا به نتميز؟ وهذا ميداننا الذي به نتنافس ، إننا نخشى أن تكون أموالنا لغيرنا غنماً وعلينا غرماً، لقد كان سلفنا سبَّاقين لتجهيز كل أنواع البر والإحسان من أعمال القطاع الخيري ومشروعاته وهذا حق المال وتلك تزكيته وإنماؤه. لقد جاء فقراء الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوا له أن ليس عندهم أموال يتصدقون بها كما للأغنياء كما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه عنه أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم..”( ) وهم بهذا يقصدون أصحاب المال ، وما ميزهم الله به .
إننا نؤمن بحكم ديننا أن المال مال الله – ليس لنا- فنحن مستخلفون فيه فناظر ماذا نعمل.
وقد أدركنا أن المال المكتسب من حلال لا يمكن أن يُشقي صاحبه ، بل هو راحة له في الدنيا والآخرة، فعلينا النظر والتأمل في حالنا مع أموالنا !!
لقد أدركنا من واقع تجربتنا العملية أن المال لا يكون من مصادر السعادة – في الأولى والآخرة – إلا حينما يكون تابعاً لنا ولسنا تابعين له .. حينما يكون مقوداً لا قائداً ومسوداً لا سيداً {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} سورة محمد :(38) .
إن مكانة المال الحقيقية أن نملكه ولا يملكنا ، ونسخِّره ولا يسخِّرنا ، ونوجِّهه ولا يوجِّهنا ، ونكون ملوكاً عليه لا عبيداً أو أسرى له ، بل إن تزكيته ونماءَه في عطائه ، وهذا كفيل بحفظ أمن العباد والبلاد ، وبالتالي أمننا واستقرار أوطاننا .
إن من الحقائق والمسلمات أننا راحلون عن ثرواتنا ، لكن تبعاته لن ترحل عنا، فسيكون السؤال لنا عن أموالنا (من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟) فلا بد أن نعد للسؤال جواباً .
إننا بحاجة ماسة إلى تزكية أنفسنا وأموالنا ، بل وزيادة إيماننا بمنافسة أعداء الإسلام ومؤسساتهم بالعمل على تقوية الأوقاف والهبات بين المسلمين ، ولنتجاوز بهذه الأعمال الصالحة أزمات الشكوك وهواجس الأمن وحب الذات ، وتقديس المال، وتكديس الثروات ، ونبادر من تلقاء أنفسنا بما يخدم ديننا ووطننا بالإسهام والشراكة جميعاً في بعض الأوليات كالتعليم والإعلام، وإننا وإياكم مطالبون بالمبادرات العملية والخطوات التنفيذية بتأسيس المكاتب والمؤسسات الخيرية المانحة وبالإسهامات القوية بالوقف والوصايا.كتاب الله واجب علينا ، لقد جمع الله حرمان اليتامى أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) } سورة الماعون .
الوقفة الثانية : حال السلف :
أحبابنا: إننا وإياكم بحاجة ماسة إلى العمل على رضى الرحمن ودفع غضبه ، فعمل الخير لله دون سواه ، لا يُنتظر فيه الشكر والعرفان ، فتقديم الخير للآخرين واجب ومسنون ، وهو بحد ذاته شكر وثناء للرحمن، وإننا جميعاً بحاجة ماسة إلى الإخلاص ووضوح الهدف {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} سورة الإنسان :(9) .
ونحن وإياكم واثقون بأننا بهذا الهدف نقتدي بخير السلف ، وسوف نحظى برضى الخالق وبتقدير المخلوقين فالعاقبة للمتقين (من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤونة الناس)( ).
لقد سبقنا أبو بكر رضي الله عنه ببذله وعطائه، حتى ليكاد الناظر إلى نفقاته أن يقول سوف يصبح فقيراً، ولكن الإنفاق يزيد من أصل المال (ما نقص مال من صدقة ، بل تزده ، بل تزده)( ).
إننا لم ننس ما فعل عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه في عام الرمادة ؟ وإنه لا يخفانا جميعاً تجهيز عثمان رضي الله عنه لجيش العسرة وإرهاب الرومان حماية لدولة الإسلام والقرآن .
لقد تنافس سلفنا الصالح على بذل أصول أموالهم دون فضولها بالأوقاف {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} آل عمران :(92) ، فكانت خير النتائج لأمة الإسلام ، وكانت خير الحضارات عبر التاريخ .
لقد سبقنا الآباء والأجداد بإيقاف معظم ما يملكون لإيمانهم العميق بديمومة الملكية بعد الممات ، حيث ثواب لا ينقطع وأجر لا يتوقف .
ولقد تنافس سلفنا في الحفاظ على قوة الأمة وبناء حضارتها الزاهرة بالوقف على الجوامع والجامعات، وعلى العلم والتعليم، والإسكان والمستشفيات، وعلى العجزة والأيتام والمساكين، بل وعلى الثغور والمجاهدين ، حتى استفاد الغرب من تجربتنا الحضارية في نظام الأوقاف وتشريعاته بشهادة مؤرخيه وكُتَّابه المنصفين .
الوقفة الثالثة: الثروة والبنوك :
أحبابنا (رجالاً ونساءً).. إنه لن يُرضي ربنا، ولن يُرضي مجتمعاتنا، كما أنه لن يرضي ضمائرنا (واقع حالنا مع أموالنا) وأن تكون ثرواتنا في بنوك غيرنا أو في بنوكنا ولكنها تسهم في فعاليات التنمية لغيرنا.. إننا يجب أن نعمل على حماية أموالنا من أن تكون وسيلة ضغط وابتزاز علينا وعلى دولنا.
أليس من المخجل حقاً لنا جميعاً في ظل الاحتكار وسياسيات الرأسمالية المتوحشة أن تزداد شرائح الفقراء وأعدادهم وتتقلص شرائح الطبقات الوسطى في العالم العربي والإسلامي عاماً بعد عام (حسب الإحصائيات) وقد بلغت الإيداعات النقدية العربية في البنوك الأجنبية في دول السوق الأوربية المشتركة لوحدها (650) مليار دولار، كما بلغت في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي تريليون (975) مليار دولار، كما أن حجم ثروات الأثرياء العرب الشخصية فقط (800) مليار دولار، كما أن هناك مصادر أخرى تقول: إن الثروات الفردية الخليجية المستثمرة في الخارج بلغت (1.2) تريليون دولار( ) .
اليس من المخجل أن نكون شُهداء على عدم العدالة الاجتماعية مع هذا الثراء المحتكر في مجتمعاتنا الإسلامية ، بل ومسهمين في تعزيزها من خلال واقعنا مع أموالنا ، لقد شَهِدَت منطقة الشرق الأوسط حسب تقارير عام 2011م ارتفاع عدد أثريائها على حساب الطبقة الوسطى والفقراء بنسبة وصلت 10.4% ووصل عددهم إلى (440.000) ثري وارتفعت ثرواتهم الإجمالية بنسبة (12.5%) لتصل إلى (1.7) تريليون دولار ، فماذا لو تم إخراج زكاة هذه الأموال فقط فضلاً عن التبرع والوقف والهبات .
لقد أشارت التقارير المالية الحديثة بشكل أدق إلى واقع منطقتنا (دول الخليج) فقالت : ” بلغ عدد الأثرياء في السعودية 113.300 ثري في عام 2010م ، بزيادة نسبتها 8.2 في المائة مقارنة مع عام 2009م ، ووصل عدد الأثرياء في البحرين إلى 6.700 ثري بزيادة نسبتها 24.0 في المائة مقارنة مع عام 2009م ، وفي المقابل، انخفض عدد الأثرياء في الإمارات العربية المتحدة بنسبة 3.5 في المائة ليكون الأثرياء فيها 52.600 ثري”( ) .
لقد كشفت الشفافية المالية والاقتصادية عورات البنوك الخاصة والعامة وعلى رأسها (البنوك المركزية) حيث كشفت تلك الشفافية استثمار البنوك المركزية لمعظم أو كل السيولة النقدية الخاصة والعامة القائمة على كل الأرصدة البنكية للبنوك الفرعية بما يسمى (صناديق السيادة) و(سندات الخزانة الأمريكية)( ) وكل ذلك قبل اكتمال البنية التنموية الأساسية لأوطاننا ، بل إن هذا يتم على حساب معالجة ضعف العدالة الاجتماعية ، ألا يُشكِّلُ هذا الواقع عاراً مضاعفاً أكثر علينا وعلى حكوماتنا؟
أين إسهامنا في الأوقاف الخاصة التي تعالج خلل العدالة الاجتماعية في ظل غياب دور الأوقاف العامة ومخرجاتها في مجالات تحقيق تلك العدالة وتعزيز التنمية في شتى المجالات ؟ بل أين إسهاماتنا في التنمية المستدامة والمتنوعة في زيادة فرص العمل وتنويع الاستثمار والنمو الإيجابي للاقتصاد من خلال الأوقاف الخاصة المستقلة والمؤسسات المانحة ؟ وأين دورنا بانشاء الجامعات المستقلة وغير الربحية ؟ وأين دورنا مع البنوك المحلية التي عززنا أرصدتها بأموالنا ؟ أين الادوار العملية في الإسهام بميلاد القطاع الثالث كقطاع مستقل في عالمنا العربي والإسلامي( ) ؟ أين الجهود المبذولة لأوقافنا الخاصة واستثماراتها وأرصدتها في الضغط على بنوكنا للعمل الجاد والمخلص في مجالات التنمية الاجتماعية أوشراكتها في أعمال مؤسسات القطاع الخيري قرضاً أو تبرعاً أو مساندة استثمارية ، ولو بجزء يسير من تلك الإيداعات النقدية التي فاقت فوائدها نظيراتها في بقية بنوك دول العالم؟! بل أين شراكة البنوك في ميادين التنمية ، وهي المستفيد الأول من الجميع حتى من حسابات الفقراء؟!.
حيث لا ضرائب عليها للقطاع الحكومي ولا فوائد للمودعين تحرجاً من الربا ، فأين رد الجميل للمودعين في خدمة المصالح العامة ؟ وأين البنوك والمؤسسات التجارية من العمل بمسؤلياتها الاجتماعية ، وأين دورها الحضاري والإنساني بالوفاء للأفراد والمجتمعات وأعمال الخير للمؤسسات؟ اليس معلوماً أن تكديس الأموال وتقديس الاقتصاد يعمق الأزمات ويصنع الثورات!!.
الوقفة الرابعة : عطاء الآخرين :
إننا ونحن نخاطب إخواننا وأخواتنا من سادة المال والأعمال نعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا يرضينا أن يسبقنا غيرنا من اليهود والنصارى في الإنفاق والعطاء وتأسيس الأوقاف الخاصة ، وقد تجرد كثير منهم من ماله أو من جزء كبير منه .
لقد لفت انتباه الجميع تبرعات وأوقاف ومنح سورس اليهودي الأمريكي (suros ) الذي فتح بأمواله (33) فرعاً لأعماله الخيرية وخص منها (28) فرعاً في بلادنا الإسلامية، ومن أبرز أعماله برنامج المنح الدراسية لآلاف الطلاب، وخص منها بلادنا بلاد البلقان المسلمة والتي دفع لها بمفرده (350) مليون دولار، ثم تجاوز عمله إلى بلادنا الأخرى (الجمهوريات الإسلامية)( )، في ظل انحسار أنشطة مؤسسات الدول الإسلامية وبرامجها .
ولا بد من وقفات طويلة عند حجم وقوة مؤسسات غيرنا الوقفية من أمثال: ليلي إند أونت (12.5) مليار دولار، ومؤسسة نوبل وجوائزه الوقفية، ومؤسسة فورد بجامعتها ومستشفاها (10.8) مليار دولار، ومؤسسة روكفلر، وديوك بتعليمها وطبها، ومؤسسة (روبرت وودجونسون (8.7) مليار دولار) وغيرها كثير.
لقد استوقفنا كثيراً تبرع (موناهان) الأمريكي الذي تبرع بكل ثروته (دومينوز بيتزا) لصالح الكاثوليك ، بل وتبرع ببيوته وقصره ويخوته ، وذلك تجاوباً منه وتفاعلاً مع الكنيسة بعد قراءته أو سماعه لكتاب أحد القساوسة .
ثم استوقفنا أكثر واقع نماذج أخرى من الأوقاف الغربية ، مثل وقف أعمال وأنشطة مؤسسة (بل غيتس وزوجته ميلندا) الخيرية مالك شركة مايكروسوفت الأمريكية ، والذي أوقف أكثر من (24) مليار دولار عام 2000م وذلك بما يساوي 40% تقريباً من ثروته( ).
ثم كان تبرع رجل الأعمال الأمريكي وارن بافت بـ(37) مليار دولار، هي معظم ثروته (85%)، وكان انضمامه بأمواله وشراكته مع مؤسسة بيل غيتس الخيرية حدثاً تاريخياً تفاعلت معه وسائل الإعلام العالمية.
إنه يجب أن لا يرضينا أن يسبقنا غيرنا في البذل والعطاء حيث يدفع الأصوليون النصارى في أمريكا (عددهم يتجاوز (80) مليون) 5 % من دخلهم الصافي للمنظمات غير الربحية وذلك قبل تسديدهم للضرائب عدا عن تسديد معظم الضرائب لتلك المؤسسات .
ولعله من المهم لإخواننا وأخواتنا أرباب المال والأعمال أن نذكر أنفسنا جميعاً بتداعيات (أحداث سبتمبر2001م) الخيرية ، حيث سُخِّرت كل وسائل التبرعات لتتحول إلى حملات في معظم المحطات التلفزيونية والإذاعية والوسائل الإعلامية في أمريكا ، وقامت بتغطية الاحتياج من التبرعات حتى بلغت (1.8) مليار في أواخر ديسمبر من العام نفسه ، حينما تم إيقاف تلك التبرعات نظراً للاكتفاء – بالرغم من تغطية شركات التأمين لجميع أضرار وخسائر المؤسسات والمباني والأفراد والطائرات-.
ولقد أسهم القطاع الخاص الأمريكي بحوالي (ثلث) المبلغ السابق حينما تبرعت (543) مؤسسة تجارية أهلية بمبلغ إجمالي وصل إلى (621.5) مليون دولار، وقد أثبتت المسوحات الاجتماعية الأمريكية عن أحداث 11سبتمبر ارتفاع نسبة معدلات الوصايا والأوقاف( ) ، فهلاَّ كانت كارثة فلسطين المتجددة عاملاً مساعداً لنا جميعاً على الزيادة فكيف بالنقصان؟. وهلاَّ أصبحت الآثار السلبية لتداعيات أحداث سبتمبر على عالمنا الإسلامي عاملاً محركاً للعطاء بقوة!! فإين آثار مآسي الحروب والفقر والمجاعات على استراتيجياتنا طويلة الأجل في التنمية والمعالجات لأحوال إخواننا المسلمين في الصومال وافغانستان وبورما واليمن والباكستان وغيرها.
إننا لن نَرضَى عن أنفسنا حينما نتأمل حالنا مع أموالنا ، ثم نقرأ عن حملات التبرعات الدائمة والطارئة في داخل أمريكا وخارجها لصالح إسرائيل دعماً لإرهابها وسحقاً لإخواننا وقضيتنا في فلسطين ؛ الذين ما زالوا يقيمون ببطولاتهم وانتفاضتهم درعاً واقياً ، وخطاً أول للدفاع عن الجميع، بل وسياجاً أمنياً لنا ولمجتمعاتنا ولدولنا ، بل وحماية لأموالنا .
الوقفة الخامسة : المؤسسات والجمعيات:
إننا لا نخاطب أحبابنا وشركاءنا في المال من أجل واجب الزكاة فهذا أمر محسوم، ومن لا يؤِدِ هذا الواجب فلا مكان هنا لمخاطبته ، ولكننا نخاطب من أكرمه الله بأن يكون من أهل تنمية المال بالصدقات والأوقاف والتبرعات ، ونخاطب شركاءنا من سادة المال والأعمال (رجالاً ونساءً) الذين ابتلاهم الله بالغنى كما ابتلى غيرهم بالفقر ليتداركوا ما بقي من أعمارهم بالعطاء {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} سورة الأنبياء:(35)،{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} سورة التغابن:(15).
إننا جميعاً محتاجون وبشكل كبير إلى مؤسسات القطاع الخيري أكثر من احتياجها لنا؛ لأنها تحقق النيابة عنا وتحمل الكثير من الأعباء عن كواهلنا ، لا سيما في العمل على تحقيق فريضة التكافل والتعاون والتآخي وفريضة التداعي لآلام الجسد الإسلامي الواحد .
إن المؤسسات الخيرية ، والجمعيات الأهلية؛ تحقق لنا الغُنم وتتحمل عنا مسؤولية الغُرم- إن وجد –، وإننا ندرك أن رسالة مؤسسات القطاع الخيري صعبة أكثر منا، ولأجل هذا فقد أشركهم الله بالأجر مثلنا ومعنا (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)( ) .
إن تلك المؤسسات ترفع عنا تبعات المسؤولية، وتتحمل عنا تبعات التقصير، وتبعات الهواجس الأمنية، وهي لا تستغني عن مساندتنا المعنوية والمادية.
إن تلك المؤسسات بأعمالها ومشاريعها تُعتَبر من خطوط الدفاع الأولى عنا وعن مصالحنا، حيث إنها من خير ما يوفر القوة والأمن الوقائي لدولنا ومجتمعاتنا، وهي بوجودها المؤسسي أصبحت حجة علينا وحجة لنا.
إن أعمالها الخيرية صمام أمان للقطاع العام والخاص ، وإنها حماية لنا ، فهلا بحثنا عن مؤسساتنا الخيرية قبل أن تبحث عنا ، وهلا أعطيناها قبل أن تطلبنا، وبادرنا إليها قبل أن تبادر إلينا ، وجددنا الأهداف والنيات بجمع الأموال لإنفاقها على أبواب الخير والنفع العام لتكون التجارة الرابحة مع الله من أهم مخرجات أموالنا.
إنها صوتنا المسموع، وسفيرنا في الداخل والخارج حيث لا يعرف العمل الخيري حدوداً ولا سدوداً ، ولم يفرق بين المحتاجين عبر جميع العصور والأزمان وفي أي مكان .
وإن العمل الخيري العالمي الآن يتجاوز حدود الزمان والمكان لتحقيق أهدافه المتباينة لكسب العقول والقلوب والأفكار ، ولكنه في الإسلام يتحرك بدوافع الإيمان والإحسان ، وسفير خير وأمان إلى كل الأوطان ، ليمد جسور التلاحم بين الأمم والدول وبين الأغنياء والفقراء .
إخواننا وأخواتنا سـادة المال والأعمال .. إننا نرجو أن تكون هذه الوقفات حافزاً لنا جميعاً إلى كل أنواع المبادارات مع اعتبار الحقائق التالية :
الحقيقة الأولى: تؤكد الرؤى المستقبلية أن المستقبل لمؤسسات القطاع الخيري الإسلامي برغم التحديات والصعوبات والعوائق ، فالمستقبل لهذا الدين ومؤسساته حسب المؤشرات والمعطيات العلمية( )، وقبل هذا فإن الله لا يخلف وعده {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} سورة الروم (47)، ودين الله منتصر بنا أو بغيرنا مانحين للمال وممنوحين وعاملين، والغُنم كل الغُنم للسبَّاقين إلى الخير المدركين للجدوى الاقتصادية لأموالهم ومنحهم ..
لقد أصبحت مؤسسات القطاع الخيري الإسلامي – بفضل الله ثم بدعم بعض إخواننا وأخواتنا سادة المال والأعمال ممن أكرمهم الله بحسن البذل والعطاء- رقماً له أهميته في المعادلة الدولية والشراكة التنموية في الساحات المحلية والعالمية , و لهذا كان الاستهداف للإسلام ومؤسساته , فعنصر المنافسة من الإسلام ومؤسساته الخيرية غير غائب في الأسباب والدوافع والأهداف في دعاوى الإرهاب على تلك المؤسسات والجمعيات .
بل أصبح الإسلام ومؤسساته في لغة بعض الدوائر السياسية الغربية يسمى (الخصوم الجدد) أو (المصارعون الجدد) , وحقيقته – المرة عند خصومه – أنه دين منافس قوي بما يحمله من قيم ومبادئ وتشريعات وأخلاقيات في العلاقات والعطاء، وهذا ما لفت أنظار خصوم هذا الدين حيث برامج المؤسسات الإسلامية المانحة والممنـــوحة التي حققت نجاحاً مشهــوداً في الساحات الإسلامية المحلية والعــــالمية ، -حسب شهادات الخصوم – وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
الحقيقة الثانية : إن دعاوى الإرهاب – التي فشلت( )- بسقوط التهم والدعاوى على المانحين والممنوحين يجب أن تكون خير مذكر لكل مدَّكر ، وخير حافز للمراجعات مع النفس دون التراجعات عن نفع الغير ، فالخوف والرجاء يجب أن يكون من الله ، والثواب والعقاب ليس من البشر ، وهما خير حافز على العمل {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}سورة التوبة :(120)، { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}سورة الزلزلة (7-8) والابتلاء سنة كونية ماضية مع الجميع {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} سورة الملك (2) ، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} سورة العنكبوت (2) .
لقد ثبت لنا ولغيرنا وكشفت الحقائق العلمية أن تلك الدعاوى على مؤسساتنا وأثريائنا ودولنا لم تكن إلا بسبب ما تحقق من خير كبير ومكتسبات كثيرة تفرض علينا المحافظة عليها، لقد كانت مؤسساتنا منافساً ناجحاً ضاقت بها منظمات التنصير والتغريب التي تجتاح بلادنا الإسلامية في شرقها وغربها .
ثم إن بوادر السنن الكونية الربانية بالعقوبات هو المتوقع في حال تقصيرنا وشحَّنا مع أنفسنا، فقد يكون محق البركة في المال والكساد لبعض جوانب الاقتصاد، وقد يكون من العقوبات أن نُحرَمَ بحب هذا المال عن إنفاقه، ونكون أسرى له ولمؤشراته، والحقيقة أن من العار أن نمتنع عن مناولة الماعون للمحتاجين، ويتضاعف العار على الجميع حينما تصحبه جريمة منع الماعون بمزاعم تمويل الإرهاب ودعاويه .
الحقيقة الثالثة : لقد حان الوقت لتوسيع مفاهيم الخير والبر ودعم أي مبادرة للانتقال الإداري من القطاع الخيري إلى القطاع الثالث ، للإسهام في كل جوانب التنمية الشاملة ، التي لا تدعم فعل الخيرات فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى جوانب تنشيطه وتنميته لمضاعفة الثمرات ، ومن ذلك الإسهام في إيجاد قنوات الإعلام المتخصصة والهادفة ، والإسهام في تأسيس الصحف والمجلات والإذاعات ، وتبني مراكز البحوث والدراسات، وتشجيع الباحثين والمتخصصين في تنشيط وتأصيل أعمال المؤسسات، ودعمها بالبحوث والاستشارات، إننا بحاجة إلى إعادة النظر في الإسهام القوي في مفاهيم تفعيل الخير للغير ودعم وتأسيس المؤسسات الخيرية وغير الربحية مثل: الجامعات والمستشفيات (غير الربحية) وبكل وسائل التنشيط والفعالية خاصة المعنية بالجوانب العلمية والإعلامية وجوانب التدريب والإدارة .
أحبابنا وشركاء نا سادة المال والأعمال (رجالاً ونساءً): إن مؤشرات سقوط الرأسمالية المتوحشة بقروضها الربوية ظاهرة للعيان من خلال الأزمات المالية التي تتكشف يوماً بعد يوم، وسوف تفعل فعلها في سقوط الدول واقتصادها، وإن سعار الإندماجات الشرسة للشركات متعددة الجنسيات (المعولمة) مؤشر خطير على الاقتصاديات المحلية مما يضعف المشاريع الصغيرة ويقلل فرص العمل لدى المؤسسات الوطنية ومشاريعها، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وهذا ما يجب أن نستعد له بمؤسسات مانحة وأوقاف خاصة تنموية باستراتيجيات طويلة الأجل تتناسب والمراحل الصعبة .
إخواننا وشركاءنا في المال : لو تأملنا جيداً ما سبق من وقفات وما تلاها من حقائق، وفوق هذا تأملنا بقوة الغاية من هذه الحياة الدنيا وحقيقة وظائف المال الذي ابتلانا الله به ، لكانت لنا وقفة أخرى مع أموالنا ، وإن من الحقائق أن قطار الحياة مع البر والخيرية سريع ، فلنكن جميعاً عربة من عرباته ، ولتتكامل فينا وبنا وبأموالنا منظومة مؤسسات القطاع الثالث حتى تكون الشراكة الحقيقية في المسيرة والتنمية لدولنا ومجتمعاتنا الإسلامية ، وتلك المكانة الحقيقية للوصول إلى ميدان المنافسة : {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} سورة المطففين:(26)( ) .
وفي الأخير: نعتذر إليكم عن عاطفتنا الجياشة التي سيطرت على رسالتنا ، ولكم جزيل شكرنا وتقديرنا سلفاً لحسن استجابتكم لما فيه الخير لنا ولكم ..