نالت فريضة الصلاة قدراً كبيراً من الأهمية في التّشريع الإسلامي لاعتباراتٍ كثيرةٍ، من أهمّها أنّها من أوائل ما فُرِض من الشعائر التعبدية، بل إنّها فُرضت في السماء خلافاً لباقي الفرائض، وكان ذلك في رحلة معراج النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وفرضت خمس صلواتٍ باعتبار التكليف، ولكنّ ثوابها وأجرها بخمسين صلاةً، وهناك العديد من الأحكام الشرعية مثل حكم تأخير قضاء الصلاة الفائتة وكيفية أدائها. حكم تأخير قضاء الصلاة الفائتة
الأصل في المسلم أن يؤدّي الصلاة على هيئتها الصحيحة في وقتها المحدّد شرعاً؛ حيث يقول المولى سبحانه وتعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)، وإنْ حصل وفاته شيءٌ منها؛ فإن حكم تأخير قضاء الصلاة الفائتة غير جائز؛ لأنّ الصلوات التي تفوت المسلم، إنْ لم يصلّها في وقتها فإنّها تعدّ ديناً لازماً في ذمته، ويلزمه بفواتها القضاء.
وقدّ صحّ الخبر فيما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (أتَى رجلٌ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقال له: إن أُختي نذَرَتْ أن تَحُجَّ، وإنها ماتَتْ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو كان عليها دَينٌ أكنتَ قاضِيَه قال: نعم، قال: فاقضِ اللهَ، فهو أحقُّ بالقَضاءِ). [1]
وفي هذا أيضاً يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (مَن نسِيَ صلاةً فليُصَلِّ إذا ذكَرها، لا كفارةَ لها إلّا ذلك). [2]
ذهب كثيرٌ من الفقهاء إلى أنّ قضاء الصلاة يصحّ في أي وقتٍ، غير أنّه يستحبّ ترتيب الفوائت، ويستحسن بالمسلم مراعاة ذلك خروجاً من خلاف العلماء في المسألة.
ويُقصد بترتيب الفوائت عند أهل العلم أنْ يؤدّي المصلّي ما فاته على نسق وترتيب وتتابع الصلوات المعروف، فإذا فاتته المغرب والعشاء مثلاً، صلّى المغرب أولاً، ثم صلّى العشاء، وقالوا: يسقط الترتيب بحال النسيان أوالجهل، أو إذا خشيَ خروج وقت الصلاة الحاضرة، منفرداً أو جماعةً.
كيفية أداء صلاة القضاء
قسّم أهل الفقه مسألة قضاء الصلوات إلى حالتين يختلف الحكم تبعاً لحالة كلٍّ منهما، وبيان ذلك فيما يأتي: الحالة الأولى: فوات الصلاة بعذرٍ، وفي هذه الحالة عدة مسائل:
يُستحبَ للمسلم الذي فاتته صلاةُ فريضةٍ بعذرٍ أنْ يُعجّل قضاؤها لكي يُبرء ذمّته.
نسيان الصلاة والنوم عنها من الأعذار التي ذكرها العلماء في المسألة، شريطة ألّا تتعدّى حدود المعقول المنبئ عن التفريط والتساهل.
يتمّ تقديم أداء الصلاة الفائتة بعذرٍ على أداء الصلاة الحاضرة التي لا يخاف فوات وقتها ولو لم تكن في جماعةٍ.
الحالة الثانية: فوات الصلاة بغير عذرٍ، وتتعدد مسائل هذه الحالة على النحو التالي:
يجب على المسلم الذي فاتته صلاةُ فريضةٍ بغير عذرٍ أن يؤدّيها على الفور، وأنْ يُعجّل قضاؤها دون تأخيرٍ إبراءً لذمّته.
قال أهل العلم: الأصل ألّا يصرفه شيءٌ عن أدائها إلّا انشغاله بالحاجات الأساسية، مثل: تحصيل قوت يومه وقوت عياله، والنوم، وتناول الطعام، وأداء الصلوات الواجبة.
جاء الأمر بوجوب أداء الصلاة الفائتة بلا عذرٍ على الفور، حتى لو استوعب قضاؤها جميع وقته من باب التغليظ على المتساهل والمفرّط بأداء الصلاة على وقتها.
مع ما سبق ذكره فقد أشار أهل العلم إلى أنّه في حال شقّ على المسلم قضاء كلّ ما فاته دفعةً واحدةً فيجوز قضاء ما فاته من الصلوات على قدر الإمكان والاستطاعة، كأنْ يُصلّي مع كلّ صلاة فرضٍ حاضرٍ فروضاً فائتةً بنية قضاء شيئاً ممّا فاته.
ذهب الفقهاء في حكم المغمى عليه بأنّه لا يجب عليه قضاء الصلوات التي فاتته فترة الغيبوبة، وقاسوه في ذلك على المجنون لاشتراكهما بفقد العقل، حيث يقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ المُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ). [3]
واستدركوا فقالوا: إذا فاق منها قبل خروج وقت الصلاة التي حان وقتها لزمه قضاؤها، وقضاء الصلاة التي قبلها، وهي التي تُجمع معها، كصلاة الظهر مع العصر وصلاة المغرب مع العشاء؛ ويسنّ له قضاؤها إن فات وقتها.
لا يعدّ الانشغال بالعمل والدراسة ونحوهما أعذاراً تبيح تأخير الصلاة عن وقتها، والمولى -سبحانه وتعالى- امتدح في القرآن الكريم شأن أولئك الذين لا تلهيهم المشاغل عن ذكر الله وإقامة الصلاة؛ فقال عزّ وجلّ: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ).