والكلام المحيط بأصوله يتعلق بالنظر في سبع مسائل : بالنظر في جوازه ، وفي تحديد محله ، وفي تعيين محله ، وفي صفته : ( أعني : صفة المحل ) وفي توقيته ، وفي شروطه ، وفي نواقضه :
القول المشهور : أنه جائز على الإطلاق ، وبه قال جمهور فقهاء الأمصار . والقول الثاني : جوازه في السفر دون الحضر . والقول الثالث : منع جوازه بإطلاق ، وهو أشدها .
والأقاويل الثلاثة مروية عن الصدر الأول وعن مالك .
والسبب في اختلافهم : ما يظن من معارضة آية الوضوء الوارد فيها الأمر بغسل الأرجل للآثار التي وردت في المسح مع تأخر آية الوضوء ، وهذا الخلاف كان بين الصحابة في الصدر الأول ، فكان منهم من يرى أن آية الوضوء ناسخة لتلك الآثار ، وهو مذهب ابن عباس .
واحتج القائلون بجوازه بما رواه مسلم أنه كان يعجبهم حديث جرير ، وذلك أنه روى " أنه رأى النبي - عليه الصلاة والسلام - يمسح على الخفين ، فقيل له إنما كان ذلك قبل نزول المائدة ، فقال : ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة " .
وقال المتأخرون القائلون بجوازه : ليس بين الآية والآثار تعارض ; لأن الأمر بالغسل إنما هو متوجه إلى من لا خف له ، والرخصة إنما هي للابس الخف ، وقيل : إن تأويل قراءة الأرجل بالخفض هو المسح على الخفين ، وأما من فرق بين السفر والحضر فلأن أكثر الآثار الصحاح الواردة في مسحه - عليه الصلاة والسلام - إنما كانت في السفر ، مع أن السفر مشعر بالرخصة والتخفيف ، والمسح على الخفين هو من باب التخفيف ، فإن نزعه مما يشق على المسافر .