عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهَا هَذَا الدُّعَاءَ: (اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآَجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ تَقْضِيهِ لِي خَيْرًا). رواه أحمد، وابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وأما ما ورد أن الحديث بهذا اللفظ: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتَ المُسْتَعَانُ، وَعَلَيْكَ البَلَاغُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) فقد رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي.
والحديث المعتمد هنا هو الأول وذلك لأن فيه الكفاية، وقد ورد أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يدعو بهذا الدعاء بعد التشهد في الصلاة ، ويعلمه للناس، فقد قال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري:
“وَقَدْ وَرَدَ فِيمَا يُقَال بَعْد التَّشَهُّد أَخْبَار، مِنْ أَحْسَنهَا مَا رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور وَأَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق عُمَيْر بْن سَعْد قَالَ ” كَانَ عَبْد اللَّه – يَعْنِي اِبْن مَسْعُود – يُعَلِّمنَا التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة ثُمَّ يَقُول: إِذَا فَرَغَ أَحَدكُمْ مِنْ التَّشَهُّد فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك مِنْ الْخَيْر كُلّه مَا عَلِمْت مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَم، وَأَعُوذ بِك مِنْ الشَّرّ كُلّه مَا عَلِمْت مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَم، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك مِنْ خَيْر مَا سَأَلَك مِنْهُ عِبَادك الصَّالِحُونَ، وَأَعُوذ بِك مِنْ شَرّ مَا اِسْتَعَاذَك مِنْهُ عِبَادُك الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَيَقُول لَمْ يَدْعُ نَبِيّ وَلَا صَالِح بِشَيْءٍ إِلَّا دَخَلَ فِي هَذَا الدُّعَاء”.[1][2][3] ما هو فضل دعاء اللهم اني اسالك من الخير كله
هذا الدعاء من أجمع الأدعية، ولهذا سمي الجوامع الكوامل، فهو فيه سؤال كل خير، والاستعاذة من كل شر، ثم جاء فيه السؤال عن أفضل الخير، وهي الجنة وأعمال الإنسان الصالحة في الدنيا والتي تقربنا من الجنة، وبعدها جاءت الاستعاذة من أعظم الشرور، وهي النار، والاستعاذة من المعاصي التي قد تقربنا منها.
ولقد قال الحليمي في فضل هذا الحديث: (هذا من جوامع الكلم التي استحب الشارع الدعاء بها، لأنه إذا دعا بهذا فقد سأل الله من كل خير، وتعوذ به من كل شر، ولو اقتصر الداعي على طلب حسنة بعينها أو دفع سيئة بعينها كان قد قَصَّر في النظر لنفسه.)
جاء هذا الدعاء كافي عن غيره من الأدعية، لكن إن قام المسلم بالزيادة عليه فلا بأس فالدعاء خيرٌ عظيم، لكن مع ذلك فلا حرج على المسلم أن يقتصر دعائه على هذا الدعاء فقط وذلك في حالة أن الشخص لم يستطع أن يدعو بغيره من الأدعية، وكان حفظها شاقًا عليه.
لكن إن كان الشخص مقتدر للحفظ فمن الأفضل له أن يقوم بحفظ بعض الأدعية الأخرى التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يقوم بالتنويع بين هذه الأدعية التي قام بحفظها، وبعدها يدعو بنفسه ما يشاء، وهناك أيضًا جوامع الدعاء للابناء.[1] شرح حديث جوامع الدعاء
أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الحديث أنه الكوامل الجوامع، وهو من جوامع الدعاء الصحيحة وذلك لاحتوائه على أجمل المقاصد وأعلى المطالب، ولقد جاء هذا الحديث موجهًا إلى السيدة عائشة رضي الله عنها، ولقد وصلنا منها، ولقد قال فيه الحليمي: (فما من خير يتمناه العبد ما علمه وما لم يعلمه في دينه ودنياه وآخرته إلا وقد دخل فيه، وما من شرٍّ يخافه العبد مما علمه، ومما لم يعلمه في دنياه وآخرته إلا وقد دخل في الاستعاذة منه, وغير ذلك أنه من دعا به فقد كفاه ما دعا به سيد الأولين والآخرين طول حياته في سرِّه وعلانيته) لهذا سمي بالكوامل الجوامع.
شرح الحديث تفصيلًا كما يلي:
قوله عليه الصلاة والسلام: (اللَّهمّ إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه و ما لم أعلم) أي أنه يطلب من الله أنه يعطه من جميع أنواع الخير على الإطلاق في الدنيا والآخرة، وما قد كان على علم به وما لم يعلم به من قبل، وهذا الخير لا يوجد أي طريقة للإنسان قد يحصل عليه بها سوى الدعاء إلى الله عز وجل.
قوله عليه الصلاة والسلام: (وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه، وما لم أعلم) أي أنه يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يجيره ويحفظه ويعصمه من جميع الشرور الموجودة في الدنيا وفي الآخرة سواء كانت هذه الشرور عاجلة أم آجلة، أو سواء كانت ظاهرة للشخص أم باطنة، أي أنه يقصد الشرور التي يعلمها والتي لا يعلمها وتحاك من وراء علمه.
قوله عليه الصلاة والسلام: (اللَّهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك) جاءت هذه الجملة كتأكيد لما قبلها من طلب الخير والنجاة من الشر وتفضيلًا وثقة من العبد المسلم لاختيار الرسول وما سأل الرسول به الله سبحانه وتعالى، وأن هذا السؤال بالتأكيد هو أفضل مما يطلبه العبد المسلم من ربه، وذلك جاء بسبب كمال ما ينصح به النبي، وحرص النبي على المؤمنين أكثر من حرصهم على أنفسهم، ولأن هذا الدعاء يتضمن ما قد يخطر على بال المسلم وما قد لا يخطر على باله أبدًا، فهو هنا يقوم بسؤال ربه أن يرزقه بكل ما دعا به رسوله محمد.
قوله عليه الصلاة والسلام: (وأعوذ بك من شر ما استعاذ به عبدُك ونبيُّك)): وهذه الجملة مثل سابقتها، جاءت الجملة الأولى في سؤال الخير، وعلى العكس جاءت الثانية في الاستعاذة من الشر الذي استعاذ منه النبي محمد، وهو أشمل بالطبع.
قوله عليه الصلاة والسلام: (اللَّهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل)): أي أنه يطلب التوفيق من الله في تحقيق جميع الأسباب الفعلية أو القولية والتي قد تكون سببً في إيصال العبد إلى الجنة، وهنا جاء طلب الخير به تخصيص عن المرة الأولى فلقد خص الجنة بالطلب على وجه الخصوص.
قوله عليه الصلاة والسلام: (وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل) أي أنه يطلب العصمة والحماية والوقاية من النار على وجه الخصوص وأيضًا هذا الطلب جاء استكمالًا للطلب لأول وهو الحماية من الشرور ولكن ذكرت النار هنا على وجه الخصوص، وأيضًا طلب الوقاية من الأمور التي قد تودي به إلى النار من قول أو عمل.
قوله عليه الصلاة والسلام: (وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيراً) وفي رواية أخرى وهي مفسرة للرواية الأخرى: ((وَمَا قَضَيْتَ لِي مِنْ قَضَاءٍ ، فَاجْعَلْ عَاقِبَتَهُ لِي رَشَدًا) أي أنه يسأل الله تعالى الرضا على قضاءه وقدره، وأن يجعل قضاءه عليه خيرًا، سوء كان في السراء أو الضراء، لأن العبرة بالرضا في نهاية الأمر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له