إن خصلة (حسن الظن بالناس) وخلق الأعذار لهم.. من أجمل الفضائل الحميدة..ومن يتحلى بهذه الميزة يكون قد وصل لمرحلة متقدمة من مراحل تهذيب النفس التي تكاد تصل للمثالية.. لأن نفس الإنسان بطبعها أمارة بالسوء.. تراودها الوساوس والشكوك.. فلايمكن أن تتعاطى مع جميع أصناف البشر بثقة عمياء..خصوصاً حين تلسع ممن كانت تظنهم يوماً أهلاً للثقة.. فالبعض يستغل هذه الطيبة ويتمادى ليصل لمآربه على أكتاف الآخرين (السذج) في نظره !..
الأمثلة على ذلك كثيرة.. أذكر منها:
1- المماطلة برد الدين.. وربما النية المبيتة لعدم إرجاعه نهائياً.. لكون المدان يتساهل في هذا الأمر ولا يضيق الخناق على المدين ويطالبه بحقوقه.
2- الترقيات والعلاوات الغير مقننة في مجال العمل..لأصحاب المحسوبيات والمصالح المشتركة على حساب الموظفين الأكفأ والذين يعملون بمبدأ (الحساب على قدر العمل)..
3- العفو عن المطالبة بدم القاتل بالقصاص من باب الرحمة وإحتساب الأجر عند الله.. عندها نرى القاتل يستمر في جرائمه ولا يتعظ كون المجتمع متعاطف معه !
4- التجاوز عن التبليغ عن بعض الأخطاء الطبية الناتجة عن الإهمال.. وفي المقابل نرى الإستمرار والتمادي في الخطأ لعدم وجود عقاب رادع.
5- بعض الجهات أو الشركات..تعلن عن وجود مسابقات أو عروض وهمية للعملاء..وغرضها من ذلك الربح المادي السريع إعتماداً على حسن ظن العملاء بهم وثقتهم بإسمهم وخدماتهم.
مما سبق.. وعلى مايبدو بأننا نتخبط في العيش.. فالكثيرين من أصحاب المبادئ يبذلون العطاء لمن لايستحق..مما قد يودي بهم لخسائر كبيرة ربما تؤثر على مستقبلهم..فلسوء الحظ.. نرى الكثيرين من أصحاب القلوب البيضاء يقعون صيداً سهلاً في شراك الوصوليين الذين لاينفكون لتحين الفرص وإستغلال جميع الموارد المتاحة أمامهم لتحقيق أغراضهم الخاصة حتى وإن إستدعى الأمر العض على اليد التي إمتدت لهم بالعطاء !.. فهؤلاء وعلى مايبدو بأنهم لايعرفون للحاني وداً ولا للعاطي شكراً..
بماذا يشعر هؤلاء الإستغلاليين تجاه أصحاب النوايا الحسنة ؟!
هل أصبحنا نعيش بدنيا الغاب تحت قانون (إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب) ؟!
هل النية الحسنة أصبحت من السذاجة الممقوتة التي تضر أكثر مما تنفع ؟!
كيف نوازن بين النية الحسنة والحذر ممن لا نعرف فيما إذا ماكانوا أهلا للثقة؟!