في الأيام الأخيرة كثُر الاهتمام بشؤون البيئة، وأدرك العلماء أهمية التوازن البيئي وأثره على حياة الكائنات من نبات وحيوان وإنسان، وبشكل خاص بعد الكميات الضخمة من الملوثات والتي أفرزتها حضارة القرن العشرين.
فقبل عدة عقود لم يكن هنالك تلوث يُذكر، ولكن في السنوات الماضية زاد عدد المصانع في العالم وزاد عدد وسائل النقل وهذه تنتج كميات ضخمة من المواد الملوثة والتي تسبب أمراضاً خطيرة أهمها السرطان.
هذا التلوث أثر بشكل كبير على الكائنات المائية كالأسماك، وكذلك على الحيوانات وكذلك على النباتات. ولكن من فضل الله تعالى ورحمته بخلقه أنه أودع في هذه النباتات وسائل لتنقية الهواء من المواد السامة.
فكما نعلم تستهلك النباتات لصنع غذائها وثمارها غاز الكربون من الهواء، وتجري في داخلها عملية تسمى بالتركيب الضوئي تركب من خلالها المادة الخضراء والتي يركب منها النبات الحبّ والثمار.
بنتيجة هذه العملية يطلق النبات الأكسجين الذي يستفيد منه الإنسان في عملية التنفُّس. والعجيب أن كمية النباتات على وجه الأرض مناسبة لحجم الغلاف الجوي.
هنالك توازن دقيق بين ما يأخذه الإنسان وبين ما يطلقه النبات من الأكسجين. وتوازن آخر بين ما يطلقه الإنسان من غاز الكربون وبين ما يأحذه النبات من هذا الغاز. وسبحان الله! هذا التوازن الدقيق تحدث عنه القرآن في عصرٍ لم يكن هنالك أي علم عن توازن البيئة.
يقول تعالى: (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ) [الحجر: 19].
وانظر معي إلى دقة ألفاظ القرآن وتعابيره العلمية، وهذا يدل على أن هنالك ميزاناً لنسب النباتات على الأرض، ونسبة ما تمتصه من الكربون ونسبة ما تطلقه من الأكسجين. وهذه النسب قاسها العلماء حديثاً بكل دقة. وعلى سبيل المثال فإن نسبة الأكسجين في الغلاف الجوي هي (21) بالمئة تقريباً. ولو زادت هذه النسبة لاحترقت الأرض مع أول شرارة، ولو نقصت هذه النسبة قليلاً لماتت الكائنات اختناقاً !
أما نسبة غاز الكربون في الغلاف الجوي فهي أقل من (1) بالمئة. ولو زادت هذه النسبة لتسمَّمَ البشر وماتوا جميعاً، ولو نقصت لماتت النباتات وتوقفت الحياة. لذلك هنالك توازن دقيق في هذه النباتات وهذا ما تحدث عنه القرآن: ولكن عندما ندخل إلى كل خلية من خلايا أي نبات أخضر على وجه الأرض، ماذا نشاهد؟ إننا نشاهد تركيباً مستمراً للمادة الخضراء. ومن هذه المادة تخرج الحبوب والثمار وهنا نجد للقرآن العظيم حديثاً أيضاً عن هذه العمليات الدقيقة
: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 99].
فقد أكد القرآن أن تشكل المادة الخضراء يتم أولاً ثم يتم إخراج الثمار والحبوب منها. وهذا ما أثبتته الأبحاث الحديثة.
إن كل قطرة ماء تتدفق في هذه الأرض تشهد على قدرة صانعها عز وجل، إنه الله الذي خلق كل شيء بتوازن دقيق، ولو اختل هذا التوازن لاختلت الحياة. وربما نعيش اليوم بداية اختلال هذا التوازن بعدما لوَّث الإنسان الأرض وأصبحنا نسمع بما يسمى بالاحتباس الحراري، نسأل الله تعالى أن ينجينا من شر هذه التغيرات المناخية، وأن يختم لنا على خير.
ونتساءل: هل قام محمد صلى الله عليه وسلم وهو النبي الأمي بدراسة تركيب النبات وفحصه بالمجاهر الإلكترونية؟ وما الذي يدعو هذا الرسول الكريم للدخول في هذه القضايا العلمية التخصصية الدقيقة؟ إن المصدر الذي تلقى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه العلوم هو الله تعالى الذي خاطب البشر جميعاً وأكد لهم أنه هو الذي علَّمه هذا العلم.
إن القرآن تحدث عن علم النبات في العديد من آياته، ويكفي أن نعلم بأن القرآن هو أول كتاب قرر وجود الأزواج في عالم النبات قبل العلم الحديث بقرون طويلة.