نبي الله سليمان بن داوود عليه السلام هو أحد أنبياء بني إسرائيل ، الذي حكم بعد وفاة أبيه ، وكان عمره لا يتجاوز الثلاث عشرة سنة وقتها ، ولقد منحه الله عز وجل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فسخر الله الجن والطير والرياح ، كما كانت الشياطين تعمل بين يديه . قال الله سبحانه وتعالى:” فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ* وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ* هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ* وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ “،
وقد عاش سليمان عليه السلام قرابة الاثنين وخمسين عاماً، وكان ملكه أربعين عاماً، وقد نقله ابن كثير في قصص الأنبياء عن الزهري وغيره، وقال ابن جرير كان عمره نيفاً وخمسين سنةً. وعندما حضر أجل سليمان عليه السلام، رغب في أن يعلم الإنس أن الجن لا تقدر على علم الغيب، فقام يصلي متوكئاً على عصاه ، فقبضه ملك الموت وهو على تلك الحالة، فمكث سنةً على تلك الحال، وهم يظنون أنه يصلي . وفاة النبي سليمان عليه السلام
ذكر السدي خبراً عن أبي مالك وعن أبي صالح روياه عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن جماعة من الصحابة أن سليمان -عليه السلام- كان يتجرد في بيت المقدس مدة من الزمن، فكان في كل مرة يصبح فيها يجد شجرة قد نبتت في بيت المقدس فيسألها عن اسمها فترد عليه، فإن كانت نبتة للغراسِ غرسها ، وإن كانت للدواء جعلها دواء لكذا وكذا، وحصل أن نبتت يوماً نبتةٌ اسمها الخروبة فسألها سليمان : لأي شيء أنتِ؟ فقالت: أنا لخراب بيت المقدس. فأيقن سليمان أنها ما نبتت إلا لهلاكه ثم خراب بيت المقدس، فنزعها من مكانها ثم زرعها في حائط له ، ثم عكف على عبادته في بيت المقدس متكئاً على عصاه حتى أدركته المنية وهو على هذا الحال، ولم تعلم الشياطينُ بخبر وفاةِ سليمان إلا حينما دخل شيطان من كوةٍ في بيت المقدس فاطلع على سليمان -عليه السلام- فوجده قد خر ميتاً بعد أن أكلت الأرضة عصاه التي كان يتكئ عليها، وقد كانت الشياطين إذا تسللت ونظرت إلى سليمان احترقت فأدركتِ الشياطين وفاته بعد أن ظلت سنة كاملة من العذاب والعملِ المهين، قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ). لماذا أخفى الله خبر موت سليمان عن الجن
ذكر القرطبي في تفسيره أن أول من بنى بيت المقدس هو داود -عليه السلام-، وقد مات ولم ينته من بنائه، فأوصى سليمان -عليه السلام- أن يستكمل بناءه، فأمر سليمان الجن أن يتموا بناءه وكانوا منقادين له، وحينما دنت وفاة سليمان طلب من أهله ألا يخبروا الجن بوفاته سنة كاملة حتى يستكمل الجن بناء بيت المقدس، وقيل أن سليمان -عليه السلام- دعا ربه أن يعمي عن الجن خبر موته حتى تعلم الإنس وتوقن أن الجن لا يعلمون الغيب، ولو كانوا يعلمونه ما لبثوا في العذاب المهين سنة كاملة.